“الطاغية” الحلقة الثانية… بقلم محمد كمال سالم
أحاط جنود أبرهة بالسيدة ريحانة وصيفاتها.
كبير الجند يسأل :
أين ربُ هذا البيت وصاحبه؟
ريحانة في خوف: ربُ البيت هو زوجي ذي يزن .
_ وأين هو يا امرأة ؟
_خرج للصيد بصحبة ابني (مِعدكارن)
الجندي لباقي الجنود: تفقدوا البيت جيداً واستخرجواالسيف.
انتشر الجنود في كل أرجاء البيت مشيعين فيه الفوضى، عابثين بكل ما فيه ولم يبقوا على شئ به قائماً، ولما لم يجدوا شيئا، قال كبير الجند لريحانه متوعداً:
إياك والمراوغة والكذب سنعود من جديد لنعثر على زوجك وولدك ؛ انصرفوا بعد أن أفسدوا كل شئ .
لم تنتظر ريحانه حتى الصباح ، وفور انصراف الجند أخذت من بيتها ما يلزمها وغادرته هي ووصيفاتها .
في اليمامة ( دولة البحرين الأن)
ينزل ذي يزن وولده ضيفان على ابن عمومته ” الحارث بن قيس ” سيد اليمامة ورئيسها ويسأل الحارث معدكارن:
_ اخبرنى يا مِعدكارن ، كيف حصلت على سيف سبأ وهو مخبأ في قصر أبرهة المنيع ؟!
_ اشتريت يا عماه أحد حراسه بالمال ، ولكني اضطررت لقتل حارسين آخرين أكتشفوا أمري ولذت بالفرار .
الحارث : أنت يا ولدي لا تعرف قدر ما فعلت، أنت يا مِعدكارن النبؤة التي أنتظرناها زمناً للخلاص من الطاغية واستعادة ملكنا المسلوب ملك سبأ وإرث جدتنا العظيمة بلقيس .
ذى يزن : أأنت جاد في ما تدعي يابن العم ؟!
الحارث : أ لكونه ولدك لا تدرك قدر ما صنع ؟ ألا تعلم هذا يا ذي يزن، أولا تفطن إليه ؟!
ذى يزن : لا والله !! لم يُحلق خيالي لهذ العنان.
الحارث : أما أنت يا مِعدكارن ، فإن اسمك من الآن فصاعداً سيف؛ أنت سيف بن ذي يزن فارس العرب المنتظر ومخلصها، ثم يضيف الحارث بن قيس موجهاً كلامه لذي يزن:
غداً تخرج حملة من الجنود على رأسها أقوى فارسين لدىٌ هما ( أسد وأشجع ) يأتيا بريحانة حتى يطيب لكما المقام في اليمامة، ونحن نعد العدة ونصلح الجيش لمحاربة الطاغية.
سيف : إسمح لي عمي الحارث، ويأذن أبي أن يأتوا أيضاً بخالتي “بَدار” وأبنتها “نوار” .
الحارث وذي يزن : لك ذلك بني.
صنعاء ( قصر أبرهة)
يعود كبير الحرس خائب الرجاء يخبر أبرهة في خنوع أنه لم يجد السيف أو سارقه فى أي من بيوت المكاربة.
لكن ، حين علم أبرهة أن المكاربة كلهم كانوا قائمين فى دورهم عدا ذي يزن وولده مِعدكارن ، أيقن أنهما من فعلا تلك الفعلة ولا ثالث لهما ، فأمر كبير الحرس بالقبض على ريحانة وأسرها قبل شروق الشمس ، ثم أمر أن تخرج سرايا الجند تفتش في الصحراء عن الرجلين ،،
ويعود كبيرالحرس مرةً أخرى لأبرهه خاوي الوفاض ليخبره: أن ريحانة قد هربت هي الأخرى.
يغضب أبرهة ولكنه يكتُم غيظه ويعود للعبث في لحيته المرصعة بالجواهر من جديد ، وبعد أن ظل يفكر بعض من الوقت ، قال في صوت جهور وفى هدوء:
احضروا لى العرافة العجوز (أُم الخطى)
ولما حضرت العجوز أم الخطى بين يدي أبرهة وقص عليها ما كان وأنه يريد الحصول على ريحانة ليقتص منها أو ليقتلها.
ضحكت العجوز حتى بدت أسنانها الصدئة وقالت لأبرهة:
_ أتريد أن تقتل أجمل امرأة وطأت أرض صنعاء منذ عقود؟!
أبرهة فى اهتمام بالغ: أتقولين أجمل امرأة ؟!
أُم الخطى : أجل يا مولاى وهل كذبتُك يوما.
أبرهة : إذن إئتنى بها وسأجزل لك العطاء أيتها العجوز .
أغمضت العجوز عينيها وراحت تتمتم وتشعوز كما يفعل السحرة فى كل وقت وزمان ، و بعد وقت غير قصير ، أفاقت وقالت لأبرهة:
في صبح بعد غد، وعند نبع بلقيس، يتوارى أبرهة وسط الأشجار هو وجنوده ، سأسوق له الجميلة ريحانه إلى النبع، وعندها يعرف مولاي ما يجب فعله.
أبرهة : كنت أعرف أنكِ لها أيتها العجوز الشمطاء ، وراح يضحك ويعلو ضحكه حتى ظن الحاضرون أنه لن يتوقف عن الضحك ، ثم قال فجأة: أما أنت عزيزى كبير الحرس أنت وفرسانك حارسوا السيف العتيق، سأقدمكم غداً وليمة لأسود جيشي الجائعة ، ثم راح يضحك من جديد.
،، يقال أن أبرهة الأشرم كان يفوق النمرود في خبثه و فرعون في تجبره “
كانت أُم الخطى تمشي بين العامة على أنها دلالة تبيع وتشتري وتقدم الخدمات ، والناس لا يعرفون أنها عين أبرهة عليهم ويديه الخفية ، ولم تجد عناءً في إيجاد ريحانة، حيثُ دخلت عليها عند أختها بدار بعد أن استأذنت على أنها تحمل بضاعةً نادرة ،، وبعد أن تلونت وضحكت معهما فى طيبةٍ زائفة ، عرضت عليهن بضاعتها وأختصت ريحانه بالمديح والاهتمام ، وراحت تقدم لها من الحرير النادر مايغري النساء.
امتنعت ريحانة وأعرضت وقالت لها إنها تعاني ألم غياب زوجها وولدها الوحيد وأنه لا يليق لها الفرح أو التزين في غيابهما ، ولكن العجوز الماكرة لم تعدم معها حيلة ، فلانت لها وألانت كلامها وقالت :
إنها تعرف عيناً للماء خلف بستان بلقيس (ينبوع بلقيس) وأكدت لها إنها لو ذهبت معها واغتسلت في النبع وابتهلت لربها أن يعيد زوجها وولدها ويذهب همها وحزنها، وأنها لوصفة مجربة ما خيبت أبداً رجاء من عمل بها.
وأخذت توسوس لها حتى لانت وخضعت لرجائها، وشجعتها أختها بدار راجية إسعاد أختها، التى واعدت العجوز ، ولا يجوز لأشراف العرب أن يخلفوا الميعاد.
إلى اللقاء الثلاثاء القادم بإذن الله.
التعليقات مغلقة.