قراءة في ومضة قصصية بعنوان “قيود” للأديب المصري خيرى الأزغل
بقلم: عاشور زكي وهبة
أولا: نص الومضة
قيودٌ
أطلق لحيته؛ أمسكتْ بهِ.
ثانيا: القراءة
١. قُيُودٌ
اسم جمع يُفيدُ الكثرة، ومجيئه نكرة يجعلنا نحتار عن أي معنى يقصد الوامض البليغ؟!
قَيْد: حبل ونحوه يُجعل في رجل الدابة وغيرها فيُمسِكها.
قَيْدٌ: تسجيل/ إثبات الأمر كتابةً، ساقط قيد.
قيد الإعداد /البحث /الدراسة… إلخ.
قَيْدٌ: مقدار / قدر معين. يقال: قيد أنملة /شعرة
قيْد: شكل، بدون قيد أو شرط… إلخ.
وما دام هناك قيد، لا بد من وجود مُقَيِّد ( اسم فاعل) وهو مَن يقوم بالقيد، ومُقَيَّد (اسم مفعول) الواقع عليه عملية التقييد.
وبالتالي نحن أمام عملية تقييد ذات شكل ومقدار معين تستلزم التقيد بأوامر ونواهي، وفرائض خضوع وطاعة لمن وقعت عليهم هذه القيود كي ينالوا الثواب، ويتجنبوا العقاب…
هيا نتحرر من قيودنا التي فرضها علينا النصّ، ونلج بحذر إلى المتن المُلغَّم بقيود وفروض وخضوع لا قبل لنا بها…
.
٢. صدر الومضة: أطلقَ لحيتَهُ
أطلق، طلّقَ،طَلُقَ: توحي بالتحرير والحرية من كل قيد ونحوه.
وطلق اليد: جادت، وطلق الوجه: تهلّل واستبشر،
وطلق اللسان: فصح وعذب منطقه.
طلقت المرأة من زوجها:(أبغض الحلال عند الله الطلاق)، لكنه يعني: تحللت من قيد الزواج، وخرجت من عصمته.
لقد حرّرنا الصدر من كل القيود والعبودية، وأطلق لنا العنان لننعم بالحريّة.
لكن ماذا أطلق؟!
لقد أطلق لحيته! أي أطالها…
إطلاق/إعفاء اللحية أحد الأمور العشرة الفطرية. ومقررة شرعًا سنّةً عن النبي صلوات الله وسلامه عليه. كما جاء في الحديث:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:« خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب،وأوفوا اللحى».
وهي بذلك أمر مُستحَبٌّ، وليس واجبًا عن دار الإفتاء المصرية: إعفاء اللحية للإرشاد والندب؛ لا للوجوب.
ومن باب النهي عن التشدد في الدين، وللدواعي الأمنيّة، وعدم التشبه بالمتطرفين والإرهابيين، لزم عدم التقيد باللحية، فهي من الأمور الثانوية:
«ولن يُشاد الدين أحدٌ إلا غلبه..».
«إن الله لا ينظر إلى صوركم لكن إلى قلوبكم».
كما أن هناك بعض الملاحدة الذين يطلقون لحاهم.
نحن أمام فئةٍ التزمتْ باللباس والشكل الظاهري الإسلامي: اللحية للرجل/ النقاب للمرآة؛ دون العمل بالأخلاقيات الإسلامية السمحة.
إذ أن« الدين المعاملة».
وليس التزامًا وتزمتًا في المظهر؛ وانحرافا وانفلاتا في الجوهر.
وما أكثر صيحة« الله أكبر» التي قيلت من المتشددين المُلتَحين، وهم يذبحون ويقتلون بدم بارد إخوانهم في العقيدة!
.
٣. عجز الومضة: أمسكت به
حينما تكون اللحية سببًا ودليلًا على الإرهاب، فإن إطلاقها والتقيد بها يدلّ على تزمت وتنطع لا طائلَ منه.
تمسُّك المرء باللحية دليل إدانة؛ وليس إلتزاما بالسنة الشريفة.
.
٤. المفارقة والإدهاش:
التضاد الظاهر بين: أطلق/ أمسك.
والإطلاق من جانب إنسان متزمت/ والقبض من جانب جزء ثانوي(اللحية) من هذا الإنسان يمكنه حلقها والتنزه منها. لأنها لا تكلفه إلا مظهر مخادع يجعله يطيل لسانه ويده باسم الدين. والدين منه براء.
وترك التمسك بالشرع الحنيف والسنة المطهرة في أمور جوهرية في المعاملات: الصدق /الأمانة /بر الوالدين /الأمر بالمعروف/النهي عن المنكر/إغاثة الملهوف/طاعة ولي الأمر… إلخ.
.
٥.التكثيف:
في أربع مفردات لخّص لنا الوامض حال فئة تتزمّت في المظهر المخادع، وتتفلّت من الجوهر النافع.
في الختام أتمنى أن أكون قد أحطّت بعناصر الومضة البليغة. وأتمنى للجميع دوام التوفيق.
في أمان الله.
.
الجمعة 2023/9/15
التعليقات مغلقة.