“الطاغية” …الحلقة الرابعة بقلم محمد كمال سالم
يدمى قلب سيف بن ذي يزن، لما ألم بعائلته، يكفكف دمعه بين يدي الحارث بن قيس وبين مواساة نوار خطيبته
يقول:
الٱن حرامُ علي الطيب من الزاد إلا الكفاف، حرامُ علي الخمر، حرامُ علي الزواج، الثأر هو سبيلي ومنهجي أو أموت دونه..
لم يستطع الحارث بن قيس أن يثنيه تلك المرة عن النفور والحرب، وخرجا على رأس جيش كبير قاصدين صنعاء .
يعلم أبرهة الداهية بأمر هذا الجيش فيخرُج لهم جيشاً عظيماً، وعلى مشارف صنعاء يدمرهم ويهزمهم هزيمة قاسية قبل أن يبلغوها، ويحمل الحارث بن قيس سيف جريحاً بين الحياة والموت ويلوذ به إلى أحد الكهوف في الصحراء، ويأويهم شيخاً عابداً على ملة إبراهيم عليه السلام، ويأمن لهم لما علم أنهم أيضاً موحدين ويؤثر الحارث بن قيس البقاء في الصحراء لبضعة أهلة، يلملم جرحه ويداوي جراح سيف بن ذى يزن مُخلفاً على اليمامة أخيه، تاركاً معه نوار وسيف سبأ في ضمانه وأمانته، خائفاً من أن يطارد أبرهة سيف بن ذى يزن في اليمامة فيقضي على البقية الباقية منهم.
وعاشا لفترة من الزمن يستشفيان ويتعبدان مع الشيخ العابد الذى أكرمهم وأحسن ضيافتهم..
( نسيت أن أقول لكم أن والد نوار وزوج بدار عاد من ترحاله وذهب إلى أبرهة يتوسل إليه أن يعيد زوجته فقتله أبرهة اللعين )
صنعاء “قصر أبرهة”
يحاول (يكسوم) عدة مرات قتل الطفلين مسروق وبسباسة لولا يقظة بدار والسهر عليهما، ويضطر أبرهة لإبعاده عن القصر ويجبره على القيام فى قصر أخر بعيد.
( اليكسوم هو إبناً لأبرهة من سبية أخرى وكان شاباً غليظا قاسيا، يطمع في ملك أبيه وإرثه ويريد الخلاص من الطفلين كي لا يشاركاه هذا الملك )
وتمر سنوات … ويشب الطفلان ويكبران وتصبح بسباسة فتاة ناضجة أما أخوها مسروق فقد كان أبلهاً منطوياً على أخته وخالته بدار وغير ذي نفع .
يعكف أبرهه على بناء الكُليس (وهو البيت الذي أراد أبرهة أن يضاهي به بيت الله الحرام وظن أن العرب سيحجون إليه عوضاً عن الكعبة، إن هو زينه وأغدق على حجاجه بالمنن والعطايا)
وبالفعل أتم بنائه وزينه بالذهب والفضة والجواهر وأصبح بنائاً رائعاً، وأرسل الرسل إلى ممالك العرب بأن يحجوا إلى الكُليس بدلاً من الكعبة، مرةً بالترغيب وأخرى بالترهيب، وجمع أهل اليمن وصنعاء خاطباً فيهم:
أن يا أهل اليمن ياشعبى العظيم، إني سأعيد إليكم مجدكم ، سأعيد إليكم “اليمن السعيد” كما كان يوماً، وأني سأعيد بناء سد مأرب من جديد ليعيد إليكم الخضرة والنماء وسأغدق عليكم من فضل وبركات أبرهةالعظيم، فقط اهجروا الكعبة وحجوا إلى بيتي المُقدس ، حجوا إلى “الكُليس” .
“فى اليمامة”
تيأس نوار من عودة خطيبها سيف بن ذى يزن وتقرر التخفي فى ذي الفرسان من جديد وتخرج للبحث عن سيف ومعها سيف سبأ العظيم ..
جابت الصحراء تتصنع صوت الرجال سائلة البدو والناس أوصاف سيف بن ذي يزن مخاطرة بحياتها، فوقعت بين يدي فارسين عند أحد الكهوف الكبيرة ارتابا في أمرها فأوقفوها، ولما وجدوا معها سيف سبأ العظيم أسطحبوها إلى الكهف فإذا بجيش كبير من الثوار مختبئ بداخله ويتحصن به، وصاح فيهم أحد الفرسان القابض على نوار:
“يارجال أبشروا يافرسان لقد وجدنا فارسنا المغوار هذا هو بطلنا المنتظر” ورفع سيف سبأ في الهواء وأشار إلى نوار ، فيصيح رجال الجيش مهللين فرحين تُذهل نوار وتحاول أن تشرح لهم خطأ ظنهم دون جدوى …
وفي تلك الأثناء وقد كبرت بسباسة وفطنت أرسلت رجالها هي الأخرى تبحث عن أخيها سيف محاولة التواصل معه دون علم أبيها نزولاً على رغبة خالتها بدار التى أصبحت بمثابة أمها.
“صنعاء”
ظل الكُليس مهجوراً لا يحُج إليه سوى المأتمرين بأمر الطاغية فغضب أبرهة الأشرم وقرر الخروج على رأس جيش عظيم تسوقه الأفيال العظيمة لهدم الكعبة، وخلف ولده اليكسوم على صنعاء واليمن…
تخشى بسباسة على نفسها وأخيها مسروق بطش اليكسوم بهما إن خرج أبوهما وتركهما تحت إمرته، فتلحق بأبيها على مشارف صنعاء ترجوه أن يأخذهما معه، ويرفض أبرهة هذا بشدة متعللاً لها بخطورة الأمر وطول زمن الغزوة، ولكنه لما كان محباً لابنته بسباسة قال لها:
سأرسلك ضيفة عند أحد أصدقائي من ملوك الروم تأمني وتسعدى في مقامه حتى أعود ، ولما سألته أمر مسروق ، قال لها : أتركي مسروق فأنا أخجل أن يرى الملوك ماذا أنجب أبرهة العظيم فأعير به، وودع ابنته.
وتعلم بسباسة من رجالها وعيونها التى أرسلتهم للبحث عن أخيها سيف مكانه فترسل إليه تستحلفه بالأم والرحم أن لاقينى في بيت المقدس.
يوافق سيف بن ذي يزن على لقاء أخته بسباسة على مضد وبعد إلحاح من عمه الحارث بن قيس، خاصة وأن سيف كان قد قرر السفر إلى بلاد فارس ليسأل ملكهم (كسرى) العون والمدد والمساعدة فى مواجهة الطاغية أبرهة.
ويلاقى سيف أخته بسباسة ببيت المقدس بالفعل التي حاولت أن تستعطفه وتسترضيه وأن يظلا على صلة، ولكن سيف كان متألماً لايستطيع النظر إلى ووجها الذي يذكره بأمه، فقد كانت تشبهها، ولم يستطع سيف أن يبادلها شئ من توددها وتقربها قائلاً أنه ما كان يلاقيها أبداً لولا أن استحلفته بأمه والرحم ، فقالت له بسباسبة يائسة ومتألمة:
سأبقى طامعة في مروئتك ابن أُم ، ولكن عاهدنى واعطنى الأمان، إن أقتصصت يوماً من أبي وقدرت عليه.
فعاهدها على ذلك وودعها ميمناً وجهه شطر بلاد فارس.
“
التعليقات مغلقة.