تمهيد العقل.بقلم.سيد جعيتم
هالة باهتة من ضوء القمر تتسلل بين طيات ظلام بهيم تعكسها أوراق الجميزة العتيقة، على سطح النهر .
نقاش غير مثمر عن تغير مناخ الأرض وثقب الأوزون وارتفاع درجات الحرارة ومنسوب مياه البحار وذوبان الجليد، حمى وطيس المتحدثين.
مال عليه جاره في المجلس، همس في أذنه:
ـ لا ناقة لنا ولا جمل فيما يحدث، نحن مفعول بنا .
ـ صدقت هي فرصة للتفريج
عن النفس بالنقاش وعلو الصوت، أما الخلاف فقد أدمنا ألا نتفق.
استمر الحديث بينهم وتطرق لاقتراب مولد أحد الأولياء.
ـ يصمتون عن الاحتفال بموالد الأولياء ويحرمون الاحتفال بالمولد النبوي.
ودع أخر عمود إنارة بالطريق الرئيسي، دلف إلى الدرب غير الممهد المؤدي لقريته الغارقة في عتمة الليل.
تحسس هاتفه الجوال ليستعين بضوئه، وجده صامتًا لا روح فيه، استرشد بضوء القمر المنعكس على سطح النهر.
على امتداد الرؤية حقول ملتحفة بالظلام، تترائى له أشباح شجيراتها متفرقة.
برودة الجو أضفت سكونًا وصمتًا.
يحمل درجة الدكتوراه، وما زالت تراوده حكايات رسخت في نفسه منذ الصغر.
يمر «بالساقية»، تذكر أم السعد تشكو لأبيه العمدة من النداهة التي نادت زوجها ليلا، ومن يومها لم يعد.
يتسلل حديث جدته عن جده لعقله :
ـ جدك كان رجلًا قويًا شجاعًا،
ظهر له جني في صورة حصان، جدك امتطاه غرز في رقبته «مخراز» حديدي، من يومها أصبح الجني من خدمه.
حفيف أقدام صغيرة خلفه، جمد في مكانه، استباح الأدرنالين أوعيته الدموية، تسارعت ضربات قلبه، سمع طقطقة شعر رأسه، يعلم أنه لا يملك مخرازًا، شعر ببلل دافئ في بنطاله.
تخطته الأقدام، كلب بلون الظلام الدامس، وقف أمامه واستدار، رأى عينيه بوضوح، هز الكلب رأسه، أولاه ظهره وأكمل سيره.
يمر بمقابر القرية، شعر براحة، قرأ فاتحة الكتاب ودعا للموتى بالرحمة.
شغله كيف سيبرر بلل بنطاله، اقترب من الساقية، بيت النداهة التي تنادي الرجال وتغوص بهم في قاعها، تبسم وتعجب لما تختار الرجال فقط.
أسرع الخطى ليتخطاها.
ـ دكتور ناجي.
صوت صافي ناعم حنون أعاد النداء في رقة وعذوبة:
ـ دكتور ناجي.
تعارك العلم مع الخرافة
داخل رأسه.
نظر تجاه الساقية لا حراك فيها ولا صوت.
ـ دكتور ناجي.
الصوت يأتي من النهر.
التقت تجاهه، حورية حسناء في هالة من النور وسط الماء.
ـ تعال.
مجذوبًا غاص خلفها.
ايقظته برودة الماء، نظر حوله لا يوجد غير الظلام، تحسس بلل ملابسه، غطت على بلل بنطاله.
بقلم: سيد جعيتم
جمهورية مصر العربية
التعليقات مغلقة.