“انسحاب تكتيكي” بقلم / نجوى عبد الجواد
تكاد دقات قلبه يسمعها المحيطون، يحاول مداراة يديه التى تنتفض بوضعها في جيوبه. يتجول بعينيه في اللا شيء حتى لا يقرؤون الخوف فيها. لو لاحظوه لنهروه وربما حاكموه عسكريا! إن قلوبهم قُدَّت من حديدلا يرحمون أحدا . ليس وحده الخائف، الجميع في فزع. الفرق بينه وبينهم أنهم ماهرون فى التمثيل، ورائعون فى الكذب، يرتدون حلة الشجاعة لكنها فصفاضة لا تناسبهم . صوت القائد يقطع شروده :نحن الآن على حدود غزة وهذه النقطة ضعيفة في الحراسة، سوف نتوغل بريا يجب أن نعيد هيبة جيشنا وأن نحرِّر أسرانا مهما كلفنا الأمر. لاتهتموا لأمر هؤلاء، لاترحموا شيخا ولا امرأة. واقتلوا أطفالهم قبل أن يكبروا ويحاربونا. لا تأخذكم بهم شفقة إنهم مجرد حيوانات.
أومأت وزملائي آليا. آه يا داود ماالذي جاء بك من جنة أوروبا إلى جحيم غزة؟! غبي أنا بلاشك، خدعونا بأرض الميعاد وخيراتها. لم أكن أدري أنها ستصير مقبرتي.
جندي داود سوف نتقدم. سمع اسمه يريد القائد أن يبدأ الدخول البري، حرفيا يرتعد كله؛
لم يقاتل عن قرب من قبل، اعتادوا على التدمير بطائراتهم وصواريخهم، هذا ما يجيدونه فقط. أما اللقاء مع رجال لا يهابون الموت فهذا ما لا يتحملونه ولا يتحمله هو.
أنا شاب أحب الحياة وأريد أن أستمتع بها.
ليليان الجميلة، كم أنا غبي! كيف أتركها وآتي لحتفى هنا، الوداع يا جميلتي!
جندي داود تقدم.
يارب موسى كم أنا خائف! ، لا أريد أن أموت.
جندي داود.
أفندم.
ابدأ فورا.
تمام يا فندم.
يركب داود الدبابة وينظر إلى زميله ليستمد منه الدعم فيجده بحاجة إلى من يدعمه. إنهم ينتظروننا هناك! آه يا ليليان الجميلة كم أتوق إلى كأس من يديك الجميلتين ! لامفر، تبدو النهاية، تستسلم الدبابة
ليديه المرتعشتين، وتتحرك. يتجه إلى مساحة تبدو على مرمي البصر خالية من البشر. يحاول تهدئة نفسه، يسير مسافة لابأس بها ومن خلفه عدة دبابات أخرى. يبدو أنهم نجحوا، يتوغلون في عمق المنطقة سيصلهم المدد إذا ما اطمأنوا لنجاح الاقتحام. أشباح!، لايدرون من أي بقعة انشقت الأرض وأخرجتهم! لقد جاءوا من خلفهم، أحاطوا بهم! الجحيم هو ترجمة اللحظة الآن! لقد فتحت النار على مدرعته، يخاف العطب، يبحث الفرار، يبحث عن قائده ليعلمه بنيته، يخشى عاقبة الفرار من المعركة، يتلفت يمنة ويسرة، لقد انسحب قائده من قبله! النيران لاتتركه، صرخات زميله في المدرعة، مستترا بنيران زملائه يترجل من الدبابة وينطلق وزميله عدوا حتى كلَّت الأقدام. على بعد مسافة تلتقطهم سيارة القائد!. وقد صاروا في الأمان بعيدا عن هذا الجحيم ينظرون لزميلهم الذى يعلِّق خجلا: لقد انسكب المشروب على البنطال! يفهمون ولا يعلقون. تنتظم أنفاس الجميع يستعيد القائد هدوءه ويقف فيهم خطيبا:نحن لم نهرب، إنه انسحاب تكتيكي؛ لنعيد دراسة الموقف ونعاود الهجوم مرة أخرى .
يهزون رؤوسهم مؤيدين! .
سوف أعود إليك يا ليليان، سأقوم بانسحاب تكتيكي من هذا الجحيم كله!
انسحاب تكتيكي نعم نعم. يحدِّث داود نفسه ساخرا.
التعليقات مغلقة.