موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

“أصحاب الأخدود” قصة قصيرة بقلم/ خالد العجماوي

246

لماذا تبكين يا أمي بينما يذهب أبي إلى حفل التكريم؟! لماذا تغرورق مقلتاك وتنكسر بكل هذا الحزن العميق؟!
عيناها جميلتان، مفعمتان بالرجاء والأمل والحب. لم أمل قط من التحديق في مقلتيها مذ كنت رضيعا ألتقم ثديها وهي تسرد لي حكاياتها الساحرة! كان لبنها سائغا، محلى بحكايا المجد والبطولة والفداء..لم تحبس عني ثديها طوال خمس سنوات، فكانت تتأمل في مقلتي وهي تحملني على ذراعها، وقد ارتسم فيهما العجب كلما حكت لي حكاية؛ فترى حاجبي الصغير وقد ارتفع في لحظة ذهول، أو عيني وهي تضحك حين تسرد شيئا مازحا، أو تلمعان حين تحكي عن لحظات الفخر والانتصار. أشبعتني أمي بالحكايات. حتى حين فطمتني عنها ظلت تحكي القصص قبل نومي. قالت إن كلها حقيقة، وأنه رغم ما يبدو فيها من خيال، إلا أنها محفورة في تاريخ البشر، وأنه لا سبيل للزمن كي يمحوها أو أن يبدد حروفها في غياهب النسيان. ولم تخل الحكايا من الأحزان؛ أذكر أنها ذات مرة حكت بصوت مكتوم عن أناس قذفهم زبانية لملك ظالم في أخدود عظيم، تتواثب فيه النيران كي تأكل أجسادهم الطاهرة، فكان منهم أما تحمل ابنها الرضيع، حتى إذا جاء دورها كي تموت نطق رضيعها كي يثبتها قائلا إنها على الحق! عند هذه النهاية بكينا، كأن عيوننا غرقت في فيض من نبع واحد. كأنه السؤال: هل كنت لأنطق لو كنت مكانه، وهل كانت لتثبت لو كانت مكانها؟
نسيت أبي!
جاءه خطاب التكريم، كما أتته الرسالة على الجوال، كما حضر إثنان إلى المنزل كي يتأكدا من إخطاره بأنه تم اختياره-مع قليل- كي يتم تكريمه في المحفل السنوي العالمي..لماذا تبكي أمي إذن؟!
قرأت الخطاب بعد أن فتحت المظروف الأنيق الذي يحتويه. لم يكن أبي قد حاول فتحه، بل إنه ألقاه فوق منضدة جانبية وهو ينظر إليه بعيون دامعة.
السيد البطل العظيم الأستاذ/ أبي..
يسعدنا نحن أصحاب المحفل العالمي أن نرسل إليك أطيب التحايا وأصدق الأمنيات، كما يشرفنا أن نبلغكم بأنه قد وقع عليكم الاختيار كي يتم تكريمكم في اجتماعنا السنوي من قبل قيادات العالم كله؛ حيث أنا وجدنا فيكم كل مقومات البطولة والشجاعة التي تليق بمثل هذا التكريم الكبير. غدا سوف تقلكم طائرتنا كي تصل وعائلتكم الكريمة إلى مدينتنا العالمية، ومن ثم تبدأ فعاليات التكريم لكم ومجموعة معكم من الأبطال العظام.
ننتظركم أيها الأبطال.
المحفل العالمي.
رسالة مشرفة! هم يجعلون له صفات البطولة والشجاعة، وإن بدا ضعيفا، مترهلا نوعا، هزيل الأطراف واسع الوسط، يعاني من انكفاء بعموده الفقري. هو لا يشبه الأبطال في حكايات أمي، ولكن مقاييسه نموذجا يحتذى طبقا للمعايير التي وضعتها السلطات في بلادنا. لا أذكر أني رأيته يقرأ يوما، ولكنهم منحوه وسام الشرف السامي والمواطن الشريف. سألت أمي مرة عن سر ذلك الاختلاف الكبير بين أبطال الحكايا وأبي، لم تجبني. بل أمسكت كتابا كانت قد خبأته تحت قميصها، ووضعته بين يدي وقالت حازمة: آن لك أن تقرأ وحدك.
غلبني النوم، آملا في يوم مشرق جديد، حيث تأخذنا الطائرة إلى بلاد المحفل البعيدة، ونسعد بأبي وهو يستقبل جائزته الغالية. لا أذكر كيف وصلنا هناك..ولا متى ذهبنا وكيف.
وجدتنا فجأة عند أبواب المحفل، وقد وقف سيدهم أمامنا بوجهه العاجي الأملس، ومئات من جلدتنا يقفون على حافة أخدود كبير. كان وجهه مستبشرا كأفعى، ضحوكا كذئب، بلسان ينطق عربية مشقوقة..قال إن هؤلاء الذين يقفون على حافة الأخدود أبطال ا.. كتب لهم أن يضحوا بأنفسهم في سبيل بقاء البشر على الأرض..قال إنه في الزمن الغابر كانت حروبا يراق فيها الدماء وتزهق الأرواح، فكانت تقام المآتم وتذرف الدموع وتشاع المآسي، وبعد أن تقدم الوعي وعرف الإنسان، وضمنت علوم الطب طول الأعمار، استطاع أن يتخلص من عادة القتل وأفكار الحروب، بل وقرر أن يضحي بأعداد محددة قصدا وطواعية، اختارهم المحفل بعد دراسة وعناية، ومن ثم يكرمهم في محفل كبير..معتبرا لهم أمثلة حية للشجاعة والتضحية في سبيل البشرية جمعاء. شكر سيدهم كل الحضور..وشكر دولنا خاصة على ما تقوم به من تضحيات في هذا الزمن.
لما ذكر (دولنا) علا تصفيق كبير، كما علت صيحات من وجوه ملساء، تتغنى بإنجازاتنا الكبيرة لما تقدمه دولنا من تضحيات لصالح جنس البشر.
بدأت المراسم. ووقف المختارون على حافة الأخدود الكبير وقد ارتعدت أطرافهم..كأني عرفت فيهم رجالا من جيراننا..أحمد وعامر وحسين. وجدت أبي بجسده المترهل الضعيف يقف بينهم مرتعشا، ضعيفا ومخذولا، بينما الجمع يصفقون ويصفرون في ابتهاج قائلين: أبطال!
صدر الأمر. ارتموا في الأخدود..علت قرقعة النيران.
صرخت مذعورا وأنا ألتفت لأمي..كنت تعرفين إذن!
سألتني: هل قرأت؟

التعليقات مغلقة.