موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

دراسة الدكتور د. محمد سيد الدمشاوي لقصة الأديب/ محمد كمال سالم”بائع البليلا”

100

ربما يكون من الصعب الكتابة عن حدث لم يزل يفرض وجوده على الواقع ، وما يزال الناس يعايشونه بقوة وتفاعل ، وذلك لأن الواقع المعاش في هذه الحالة يكون أقوى من أي تأثير آخر ، فالصورة المرئية للواقع المعاش بقوة تلغي أي تخييل يحاول الهرب منها عبر الاختفاء خلف رؤي كنائية أو ترميزية أو غيرهما.
لكن قصة بائع البليلة استطاعت أن تتجاوز هذه الصعوبة باقتدار، فقد تجاهلت محدودية الحدث ، وتجاهلت زمكانيته ، لتضعنا أمام زمكانية مجهلة تنأى بها عن هذه الإشكالية القائمة، ولا يربطها بها سوى شعورنا نحن وارتباطنا نحن بما يجري ، ولو قرئت بعد هذه الأحداث الساخنة لما وجد بينهما أي ارتباط بالمرة ، ومن ثم فهي تستقطب عبر هذا التجهيل أزمنة وأمكنة متشابهة وغير محدودة ،غُمرت بها الذاكرة العربية المكتظة بهذه المرارات على مر تاريخها الحديث ، لتضرب بأطنابها على موتيفات قارة، تصنع منها واقعا قصصيا جديدا لماض مكرور ، وحاضر لا يختلف كثيرا عن هذا الماضي الأليم، معتمدة في ذلك على الترميز الذي يأخذ بذهن القارئ إلى مساحات شاسعة من التأويل ، فهي تقف على هامش الحدث ، لتقدم رؤى بازخة تنهل من مرارة الواقع ، وتقدم قراءات علوية تبدو غير مقصودة بالمرة ، عبر الرموز المتناثرة في مساحة الحكي ، فبائع البليلة مجهول الهوية رغم ارتباطه الوثيق بالواقع وبجموع الناس ، ولم يشفع له تنوع انتماءاته العربية وانصهاره معها ، من خذلان الجميع له ، وفقدانه لأي نصير ومعين يدفع عنه ما ألم به من ضياع وقهر؛ لذا فهو يبحث عبر أغانيه عن أزمنة العزة والأمجاد المفقودة في الواقع الراهن ، والتي لم يبق منها سوى هذه الأغاني والأناشيد الجوفاء التي تتردد على لسانه دون أدنى فائدة ، ولا ينالنا منها سوى هذا الضجيج الذي مله الراوي وكره انبعاثه ، ثم عربة الجيش المتهالكة التي تجسد واقع الجيوش العربية في ماضيها وحاضرها ، بعد أن أبدت عجزها ،ونفضت يدها مما يحدث، وتبرأت من دورها المنوطة به ، فكانت كتلك العربة المتهالكة التي لا تقوى إلا على المشاركة في التهجير ، والمشاركة في الضياع الذي طال بطل القصة ، وأمات أجزاء من جسد الراوي في رحلته المريرة.
ربما تكون الرؤيوية هنا كارثية وسوداوية ، تشبه إلى حد كبير قصص العبثيين بعد الحرب العالمية الأولى والثانية ، رغم اختلاف الواقع ، واختلاف الأيديولوجيا، لكنها تحمل في طياتها رؤية تحذيرية لما ستؤول إليه الأمور إذا استمر الحال على ما هو عليه
وإن كانت تجمل في طياتها بعض الأمل الضئيل الذي نلحظه في المفتتح عبر صورة النهار الوليد الذي يحاول التنفس بصعوبة بين الركام والأدخنة والغبار :
” شعاع النهار الوليد يحاول أن يتنفس بين الغبار وبين دخان المتفجرات، هواء الصباح الرطب ورائحة البارود يختلطان في صدري “
وربما نلحظه أيضا في أعمدة الإنارة التي لم تزل تنبض بالحياة وبالنور وبالثورة في نهاية القصة :
” يبدو أن السيارة الهاربة توقفت، يداي الميتتان على بابها قد تيبستا، الصورة ساكنة، لا شيء هناك غير أعمدة للإنارة عليها لافتات ثائرة “
لكنه أمل ضعيف ، ومحكوم عليه بالموت والسقوط : ” أسقط على الأرض، لا تستطيع قدماي أن تحملاني” ، ومحكوم عليه بالضياع ؛ فقد ضاعت العروبة متمثلة في ضياع عمي حسين، وفي توقف السيارة عن الخركة، وموت الأيادي وتيبسها ، وافتقاد الوعي بخطورة الأمر عبر تلك السيارة وسائقها اللذان يسيران على غير هدى ، دون هدف ودون دراية : ” نكاد أن نخر صرعى والسيارة لا تدري ولا سائقها” فالسوداوية غالبة على الرؤية تستمد قتامتها من ركام المنازل المهدمة، ودخان القنابل التي قتلت الحياة ، وغبار السيارة الهاربة من ميدان القتال.

التعليقات مغلقة.