” الكمين ” قصة قصيرة بقلم/ د.محمد محي الدين أبو بيه
أبواق السيارات تصدح بنغمات عالية تتراقص معها مجموعات شباب حاملين علم مصر ،مرت أمام محل (محمود) فأرجعت لذاكرته أياما من صيف التسعينيأت
.
حينها كان يدرس في كلية التجارة جامعة أسيوط جنوب صعيد مصر، لذا قصده أحد معارفه كي يذهب إلى هناك ليقدم أوراق ابنه لتنسيق الدبلوم الموجود فقط بأسيوط،
حاول المراوغة والإفلات إلا أن محاولاته باءت بالفشل
.
الشمس حارقة كأنها تطلع على أُم رأسه فقط دونما الدنيا كلها…لعن كل معارفه ولعن كل من أراد دخول الجامعة..ومع ذلك أتم المهمة بنجاح
.
ذهب إلى محطة القطار فوجد أن أول قطار للمنيا ( بلدته) بعد ثلاث ساعات، فأسر إلى نفسه بأن الوقت طويل وممكن أن يطوي هذه الساعات عن طريق (الميكروباص) وفي وقت أقل..
فعلاً امتلأ الميكروباص عن آخره خلال دقائق، فحمد الله بأن هداه لهذا الحل وسار بهم السائق إلى أن وصل إلى مخرج مدينةأسيوط
.
حيث أوقفهم (كمين) أمني وطلبوا منهم إبراز الهويات الشخصية …للظروف التي كانت تمر بها أسيوط في تلك الأيام من حوادث إرهابية
.
أشار الضابط إليه وأمره بالنزول قائلا
:لماذا أتيت لأسيوط وأنت في إجازة الصيف ؟
وقبل أن يجيب كان العسكري قد سحبه إلى سيارة ترحيلات كبيرة
ولم ينبس ببنت شفة وقد أخذته المفاجأة…
.
تحرك الموكب الغير سعيد بمن في السيارة وهو واجم كأنه نزل عليه (سهم الله) كما يقولون
.
لحق بهم أناس كثيرون، وعندها صاح العسكري..(.العدد اكتمل يافندم)
.
أنزلوهم جميعاً تحت يافطة قسم ثان…ثم أدخلوهم واحداً تلو الآخر في غرفة مظلمة يعلوها كوة صغيرة لإدخال بعض نسمات الهواء فقط لاستمرار رمق الحياة،
رائحة عطنة تحتل المكان وتزكم الأنوف
.
راحت الكآبة تزداد وتملأ صدره عندما سمع مَنْ حوله يقولون أن أمامهم يومان لتتم التحريات وإذا لم يكن عليهم شيء يخص الجماعات الإرهابية سيطلقون سراحهم
.
أُسقط في يديه حيث لاتوجد وسيلة إتصال بأهله وستنحى الأمور إلى السوء هناك فهم لايدرون عما حدث شئ وستطوف بعقولهم جميع الظنون السيئة لما آل إليه مصيره
.
وهو يفكر منزويا في أحد أركان غرفة الحجز..كان الباقون يتحلقون حول( راديو ترانزستور) بحوزة أحدهم يستمعون إلى أحداث مباراة كرة قدم والواضح أنها مهمة فالكل نسوا ماهم فيه وانسحبوا بعقولهم وكل حواسهم يتابعون بشغف
.
هو يكره كرة القدم ولايهوى سماعها ومشاهدتها أو حتى اللعب بها
أخذ ينظر إليهم ويقول بسره
(يالهم من بلهاء يحرقون أعصابهم ويفقدون هيبتهم من أجل أناس لا يدرون عنهم ولا يعنيهم ماهم فيه من معاناة وفوق ذلك يكسبون ويتصدرون المشهد دونما ذكر لمن بذل الغالي والنفيس من صحته ووقته لتشجعيه…حقاً العقل زينة)
.
قطع استرساله هذا صراخ الجميع فقد انتهت المباراة بفوز فريقهم بالبطولة وأخذوا يهتفون. باسم فريقهم..( بيب بيب أهلي)…
.
لم يشاركهم في الهتاف وظل محله وقد ازداد تغيظه منهم فكيف وهم بهذه النكبة يهللون ويمرحون بدلاً من أن يجدوا حل لمعضلتهم واحتجازهم
.
بل ازداد الهرج حتي علت الأصوات بشكل مبالغ فيه
.
وقع أقدام قادمة ناحية الحجز مع جلبة تنم عن أن أمر جلل سيحدث لهم بعد ما حدث من هرج ومرج داخل الغرفة،
تكات مفتاح الغرفة تتناغم مع ضربات قلبه الواجفة من هول ما سيحدث
.
وقف الضابط النوبتجي على باب الغرفة بشاربه المنسق وجسمه الممشوق وهو يتحسس بيديه مسدسه الموضوع بجانب بنطاله وينظر بنظرة آمرة
فانتفضوا جميعاً وساد الصمت المشوب بالتوجس من القادم
.
أدار الضابط ظهره لهم قائلا للعسكري..(.أطلق سراحهم جميعا هدية فوز الأهلي)…
.
الزغاريد انطلقت من الجميع رغم عدم وجود نساء معهم لكنها الفرحة الغامرة
.
ركبت أقدامه الريح ولسانه يلهج ( بيب بيب أهلي) حتى وصل إلى بيته والجميع ينظرون إليه في تعجب…
التعليقات مغلقة.