ظلم الزمن /بقلم.. الهادي نصيرة
ما تزال صابرين طفلة، في العاشرة من عمرها، عندما تزوج أبوها، للمرة الثانية.. كانت لا تدرك ما تركه ذلك الحدث، من ألم، في نفس أمها المطلقة، التي قلبت لها الأيام ظهر المجن ، دون سابق إنذار، فبكت كما لم يسبق لها البكاء من قبل، وحزنت حزنا شديدا..
و ما زادها هما وغما، شعورها بأنها بدت كالمتهمة بالتقصير في القيام بواجباتها العائلية..
” يا لغدر الزمان ! ما الذنب الذي اقترفتُه ؟! كيف يمسي كل ما فعلتُه، من أجل إسعاد أسرتي، هباء منثورا، ويذهب كل ذلك أدراج الرياح، وكأن شيئا لم يكن ؟! أهكذا يكون جزاء الوفاء والاخلاص؟! “..
اِنزوت صابرين في حجرتها، وانخرطت، هي الأخرى، في البكاء، طويلا، إشفاقا على والدتها، ثم ما لبثت أن عادت إلى سابق هدوئها، حينما تذكرت أنها وأخاها عصام، سيبقيان مع أمهما، لتكون لهما، كدأبها دائما، مصدر أمان، تظللهما بدفء حنانها، وفائض عطفها.. أما أبوهما، فقد كان دائم السفر، بحكم عمله، وأدى ذلك إلى أن يُحرم طفلاه من وجوده إلى جانبهما، إذ لم يحدث ، يوما، أن اصطحب أحدهما إلى المدرسة، أو احتضنه، وتقبل شكواه ، أوان مرضه، أو جالسه، مؤنسا له، ومستمعا إلى ما تبوح له به، تلك الطفولة البريئة، من أمنيات، وتطلعات، وأحلام ..
مرت الأيام… وظل الأب، من وقت لآخر، يزور منزله السابق..
وكان عصام، وصابرين يفرحان بقدومه، إلا أن أمهما كانت لا ترغب في تلك الزيارة، ولم تكن تخفي، أمام ابنتها، تبرمها، وإحساسها بثقل ذلك الوقت على قلبها، متمنية أن ينتهي بسرعة، وتنتهي معه تلك الزيارة الجافة، المستفزة لأعصابها. ولكن ماذا عساها تفعل ؟ فهي تعلم أن القانون يخول له رؤية ابنه وابنته، والاطمئنان عليهما، والقيام بما يجب على الأب القيام به تجاه أبنائه..
كبرت صابرين، وتزوجت، وصارت، أكثر من أي وقت مضى، تتفهم شعور أمها ؛ تلك الأم المكافحة، وربة البيت المثالية، والزوجة المضحية، التي لم تتصور يوما أن يسحب، من تحت قدميها، بساط الطمأنينة والاستقرار ، هكذا، فجأة، لتقف في مفترق طرق، حائرة، تتجرع مرارة الجحود، قبل أن تنهض من عثرتها مجددا ، وقد ايقنت أن ما مضى قد فات، وأن ما ذهب قد مات، وما عليها إلا أن تشحذ همتها بنفسها، لمغالبة ما قد يعترضها من مصاعب، فطريق الحياة محفوفة بالمشاق…
التعليقات مغلقة.