” أسرى التَحكُّم ” مقال لخلود أيمن
على المرء أنْ يمسك زمام أموره ويقود دفة حياته إنْ أراد حياة هانئة بعيدة عن الصخب والضيق والضجر المتواصل والتدخل في شئونه طوال الوقت بحيث لا يترك لأحد المجال بأنْ يُقيِّده أو يمنعه من القيام بما يُحب أو يُضيِّق عليه الحِصار حتى يكاد يختنق ويشعر بالضيق يجثم على صدره طوال الوقت بداعٍ وبدون داعٍ ، فحياته مِلْكُه وروحه حُرة لم يخلقها الله كي يستعبدها الآخرون أو يجبرونه على القيام بأمور لا يرغبها أو الذهاب لأماكن لا يُحِبها أو التحرك وقتما شاءوا ، فلا بد أنْ يسيطر على حياته أكثر من ذلك ولا يجعلها تسير وفقاً لأهواء الغير حتى لا تضيع منه للأبد ويجد أن هذا الأمر يتزايد ويتسع نطاقه بالتدريج حينما يدخل حياته آخرون يتحكمون فيها بنفس القدر ويظل أسيراً لتَحكُّمات الجميع وأوامرهم التي لا يحتملها حتى يفيض به الكيل وينفجر فجأة على أسباب تافهة لا تكاد تُذكَر أو تُشكِّل جزءاً هاماً من الحياة ، فيجب ألا يترك ذاته إلى أنْ يصل لتلك الحالة المقيتة التي يفقد فيها السيطرة على حياته لأنه لا يوجد متضرر سواه ، فلقد حباه الله الحياة ليُحِبها ويستمتع بها ولا يجعل نفسه مَحطاً لتنفيذ رغبات الآخرين ولو لم تأتِ وِفاقاً لرغباته الشخصية أو تلبية أوامرهم التي قد لا تناسبه أو تنفعه من الأساس ، فكلُّ منا على دراية بما يليق به ويتماشى مع تطلعاته ومبادئه ورغباته الشخصية التي لا يَحِق لأحد التَدخُّل في كل تفاصيلها مهما كانت درجة قربه منه ، فلا بد من الاحتفاظ بجزء بسيط من الخصوصية التي تحمي ذات الإنسان من التعرض للانتهاك طيلة الوقت بدون وجه حق خاصةً إنْ كان شخصاً بالغاً عاقلاً بما فيه الكفاية ، مُتمكِّناً من اتخاذ قرارات حكيمة تتوافق مع طبيعة شخصيته التي لا تتشابه مع غيرها قط ، فيجب أنْ يراعي الآخرون تلك النقاط ولا يُقحِمون أنفسهم في كل كبيرة وصغيرة وإنْ كانت لا تستدعي ذلك ، فلكلِّ الحق في ممارسة حياته كما يشاء دون أنْ يتعرض للنقد أو التوبيخ أو التَمرُّد أو الاعتراض طيلة الوقت بدون أسباب واضحة لمجرد رغبته في أنْ يكون منفصلاً مستقلاً بذاته حراً في تسيير أمور حياته كما يشاء ، فيكفي تَعدِّياً لخصوصيات الغير فهو لن يؤدي سوى لشخصيات مهزوزة فاقدة الثقة في أغلب قراراتها المؤقتة والمصيرية …
التعليقات مغلقة.