مئة ليلة وليلة..بقلم..نجوى عبد الجواد
معذرة حبيبتي لا آخذ بنصيحتك الدائمة “لاقهوة مساء” فأنا أحتاجها الآن بشدة. يعود من المطبخ حاملا فنجان القهوة الثالث له في خلال ساعتين! يشحذ تفكيره، لم يبق سوي أيام معدودات على بداية سلسلة الندوات التى سوف يعقدها نادي الأدب في باريس وسيكون هو أحد المحاضرين فيها. من مكتبته إلى المكتبات الأخر عبر الهاتف، يفتش ويدقق، عن ماذا لايدري؟! لقد استقر على الفكرة الرئيسة التى سيقدمها في ندواته إنها تتواكب مع احتفال الجمهورية الفرنسية الجديدة بعيدها القومي في ظل رئاسة حاكم عربي مسلم! ليس الأول ولن يكون الأخير، فقد صرنا أغلبية في فرنسا!، أريد أن أربط شباب اليوم بأسلافهم، أريد مادة غير جافة، تخاطب مشاعرهم، مشوقة، لايمل سامعها، وبخاصة أنها ستنقل عبر التلفاز وغيره من وسائل النشر ، لقد اخترت الأدب ليكون الجسر الذى يصل هذا الجيل بماضيه. هكذا يحدِّث البروفسور محمود نفسه. ينتقل من كتاب لآخر ومن مرحلة لأخرى، وأخيرا قرّر النوم! سوف يستيقظ مبكرا ليقوم بجولة في مكتبة فرنسا الوطنية ثم مازاران ثم….وغلبه النوم ودارت أحلامه حول مايمكن أن يجده، وما يمكن أن يقدمه.
لم يعرف ماذا يطلب من مسئول المكتبة، هو نفسه لم يستقر بعد.
بين آلاف الكتب والمخطوطات تتوه عيناه، وبعد لأي وقد اقترب اليأس منه يقرأ عبارة: “مخطوطات عربية” فلتكن البداية مخطوطات ولأبحث في الأحدث نسبيا. . رحمك الله يا شوقي بك قصيدة النيل بخط يده ، ماهذا الحجم الكبير إنها الثلاثية بخط الكاتب،..وتلك ثلاثية غرناطة … يتوقف عند هذه الأوراق التى يحويها غلاف كتب عليه “مئة ليلة وليلة”. جذبه العنوان، ذكّره بالمؤلَف الشهير ألف ليلة وليلة و شهريار وشهر زاد، وسحر الشرق وأساطيره، بحث عن اسم المؤلف فلم يجد سوي منتصر. منتصر من؟! فقط منتصر. زاد فضوله وتحركت قدماه إلى حيث جلس في ركن من المكتبة وقد استحوذت المخطوطة على اهتمامه، يبدو أنها تراجم أو مجموعة حواديت قديمة، أو… يقطع الشك باليقين ويحط على المقدمة :عزيزي يا من تقع بين يديه هذه الأوراق.
ماذا؟ أخرج نفسه من دهشته وأكمل. إنني أحمِّلك أمانة في عنقك، قد ألحق بالآلاف من أبناء شعبي بين لحظة وأخرى القصف يقترب مني ، والأحزمة النارية ترج البيت رجا، أنا الآن أكتب إليك وأنا أردد الشهادة. عليك توصيل هذه الأوراق لمن يقدمها للعالم إن لم تستطع أنت. إنها ليست مجرد حواديت، إنها لحم ودم، تضحيات وانتصارات، جوع وعطش، صبر وجلد، وحدة و خذلان. إنها مئة قصة لبشر ليسوا كالبشر، يدقق النظر، يبدأ الخط الجميل في التغير، يبدو أنه يكتب على عجل، إنها كلمة “مئة ” نعم مئة قصة لمئة بطل وبطلة، من أفراد شعبي من الرجال والنساء ويحاول قراءة الكلمة، إنها الأ.. الأطفال! يكمل بصعوبة هذه القصص ليست وليدة الخيال، إنها واقع عشت بعضه وشاهدت بعضه وسمعت الآخر من ثقات. وما تدخل خيالي إلا ليعرض ويصوغ، أما القصة المئة وواحد فهي عن شخصي، لن تجدوا عني معلومات تعرفكم بي ولكن…. انقطعت المقدمة عند هذا الحد وتواصل خط طويل للقلم وعبارة في طرف الصفحة يبذل جهدا كبيرا في قراءتها “لا.. لا ماذا؟ . لاتن.. لاتنسونا!
يا إلهي!! هل قتل في هذه اللحظة؟ ولماذا لم تدمر الأوراق؟! هل أخفاها قبل أن يقصف بيته، هل.. وهل تساؤلات تمكنت منه ولم يجد لها إجابة. حاول التخلص من المشاعر التي تلبسته إثر قراءته لهذه المقدمة،
يعود للغلاف يبدو أنه عولج وبعض الأوراق حتى يظهر على هذه الحالة الجيدة، يحاول التعرف على المؤلف من القصة الأخيرة فلا يجد ما يفيد. يتنقل بين الصفحات، يلقى نظرة على العناوين، هو و الطوفان، أبوعبيدة، المسافة صفر، وكمان سلفي لن ننساك، سكان النفق…. شعر البروفسور محمود أنه عثر على كنز سيكون خير معين له في تحقيق هدفه. خرج من المكتبة ثم عاد يحمل مشروبا ساخنا وشيئا يسد رمقه، فقد قرر البقاء إلى أن ينتهي من القراءة، أو أن تغلق المكتبة أبوابها. عاد مساء وهو يحتضن نسخة مصورة من المخطوطة، ويحمل بين جنبيه مشاعر مختلطة من الشجن و من الحنين لهؤلاء البشر ومن الفخار والاعتزازبأنهم أجدادنا ومن الانبهار والدهشة لصمودهم وثباتهم. دوت القاعة بالتصفيق من هذه المقدمة للبروفسور محمود عن مشاعره الوليدة وعن المؤلف المجهول منتصر. وشعر بأن الجميع في حالة تفاعل كبيرة بدأ معها في تقديم الليلة الأولى من مئة ليلة وليلة، سوف يحمل الأمانة وتصل رسالة الكاتب للعالم كما أراد. أيها السيدات والسادة عنون منتصر الفلسطيني الليلة الأولى من لياليه ب”هو و الطوفان” وشرع يحكي ويقول..
التعليقات مغلقة.