” المتلقي بين الواقع المُتَأَدِّب وتوليفات الأديب ” مقال بسن قلم / حسين الجندي – مصر
عند تحويل القصص الحقيقية إلى دراما مشاهدة لا يحتاج الكاتب فيها إلى توجيه المتابع إلى رسالة ما يريد توصيلها، فهي وصلت بالفعل مسبقا،هو فقط يصب اهتمامه على جودة إبراز الحكاية في قالب جذاب يؤسِّس للقيمة ويدعم الرسالة ويبروز الحدوتة في ذهن المتلقي،خاصة أنه لن يأخذ وقتا كبيرا في إقناعه بمصداقية الأحداث مهما كانت أغرب من الخيال؛فمهما شتَّ عقله وضاع تركيزه،في نقطةٍ ما داخله ستظل تلك العبارة مستقرة :
( هذه الأحداث مستوحاة من قصة حقيقية…)
لذا فإنه يصدقها ويعيش أحداثها بشغف،خاصة إذا أجاد المؤلف صناعة وصياغة حبكتها، فيظل مشدودا مشدوها مع كل تفصيلة..
..
نعم معظم الأعمال الأدبية هي مجرد توليفات من بنات وأولاد أفكار الأديب،وبما أن خيال الكاتب ابن لبيئته الصغيرة أو الكبيرة، الواسعة أو الضيقة،فإنه يُضَفِّر الأحداث ويسبك السرد ويجعل العقدة صعبة الحل، ولكن نجد أنفسنا نتابع وشيء ما مستقر في وعينا يقول لنا:
هذا مجرد تأليف..
..
ربما ذلك هو الذي جعل المتلقي ينجذب أكثر لأدب الواقع لأنه يمثله ويعيش مشاكله ويلمس أوجاعه..
..
قد يقدم الحلول ويقترح العلاج وقد لا يفعل، وفي كلٍ، يساهم ولو بقدر في تخفيف الآلام ويسكنها؛ فمشاهدة مشكلات الغير ومطابقتها على نحوٍ ما مع مشكلاتنا يرسخ داخل المتلقي فكرة (لست وحدك)..
..
الخطورة الشديدة تَتَأَتَّي من محاولة الكاتب وضع بصمته الخاصة به ويقوم بدعوى الحبكة أو تسخين الحدث أو محاولة الخلاص من المشكلة بوضع الحلول التي ربما لا تتوافق مع الشرع أو القانون أو حتى مع الأعراف، ومن هنا تستقر في ذهن المتلقي وعلى حسب ثقافته ودرجة استيعابه يقرر التقليد أو الاقتداء بالبطل..
..
فقد يجعل الكاتب بطله يبحث بشغف عن المخدر وما أن يحصل عليه إذ به يصوره وهو تحت تأثيره يطير في السماء محلقا بلا جناحين، وهو في غاية النشوة والسعادة الوهمية،ويأخذ في الاستطراد والإطناب بشكل فج في تصوير تلك الحالة الانفصالية عن الواقع الأليم بالدرجة التي معها يتمنى كل متابع أن يجرب ذلك الشعور المخملي ولو لمرة،نراه يتجاهل ما يقدمه الكاتب بعد ذلك من مصير سيئ لهؤلاء، ربما لأن الإنسان بطبعه لا يميل إلى الوعظ أو ربما لأن الكاتب مرَّ مرور الكرام عن قصد أو غير قصد عن تصوير هذا المصير النكد بصورة بها تركيز وعمق كالذي فعله في حالة التعاطي المُحَرَّم المُجَرَّم..
وفي الأخير..
إن الكتابة سواءً التي بروزت الحدث الفعلي أو التي قدَّمت الواقع في صورة أدبية،وأيًا كانت صورة التقديم( على ورق أو تم تحويله إلى صوت فقط أو صوت وصورة أو مجسدا على خشبة مسرح..) هي حجر الزاوية في تشكيل الوعي وتأسيس الثقافة العامة، لذا على الكاتب أن يدرك خطورة قلمه وقيمته ولا يقبل مطلقا أن يُفَرَّغَ من رسالته.
التعليقات مغلقة.