” أما بعد ” قصة قصيرة بقلم/ هالة علي ابو الذهب
صباح شتوي ككل صباح قبله.
سماء تتسابق فيها السحب الداكنة، بها القليل من
السُحب البيضاء كشعر شابة به بعض الشعيرات البيضاء
المتناثرة هنا وهناك.
تتململ في فراشها، لا تريد مغادرته مستمتعة بدفئه.
يصل إلى مسامعها صوت أم كلثوم من راديو المقهى
أسفل منزلها.
والموجة بتجري ورا الموجة عايزة تطولها
تضمها وتشتكي حالها من بعد ما طال السفر.
فجأة ينفتح زجاج النافذة بفعل موجة هواء قوية
تدفع بالستارة إلى أعلى.
تقفز من فراشها مسرعة لتغلق النافذة فتطالع عيناها
موج البحر… الموجة تجري وراء الأخرى وكأنها
سمعت صوت أم كلثوم.
تتابع الموجات وهي تحتضن بعضها بعضاً
لتنكسر على صخر الشاطئ بلا أمل في العودة.
تندفع رياح قوية متخطية جسدها لتُقَلِّب
صفحات دفتر يومياتها الذي لا يُغادر سطح الطاولة
بجانب فراشها.
لفت انتباهها أن الصفحات بيضاء عدا سطر واحد،
أما بعد …
كلمتان وثلاث نقاط فقط.
تعجبت! أين كل ما كتبته طوال السنوات الماضية؟!
لقد كانت تكتُب كل يوم تفاصيل ما مر بها.
لا تُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا ورسمت أحرفها
وكأن الأحرف لها لسان فتسمعها تتحدث إليك.
عندما تقرأها تسمعها بإحساسها وتشعر بوقعها على أُذنيك.
أين ذهبت الكلمات والحروف؟ أين حياتها التي سُكِبتْ
تفاصيلها على ورق دفترها؟
دققت في الأوراق واكتشفت أنها لم تكن تكتب
بمداد من حبر ولكن كان مدادها … دمع عينيها.
لم يتبقْ سوى … أما بَعْدْ والثلاث نقاط
لأنه لم يكن هناك … بَعْدْ.
التعليقات مغلقة.