” الظل” ق ق ج بقلم/ علي جبل
في ذات ليلة من ليالي الربيع الساحرة، أخذ النسيم يداعب جفوني، إذ بأنين امرأة عجوز
يملأ الأرجاء، لا يلبث أن يهدأ إلا وهي تتحدث عن فتنتها وفتوتها وماضيها التليد. يزداد هذا الأنين رويدا رويدا عندما يأتي ذكرها لحاضرها البليد، ومرضها العنيد الذي شل أعضاءها، ومزق أوصالها، وأبلى أثوابها؛ فأحالها لخِرَق بالية.
لبثتُ زمنا أتلمس مصدر الصوت.. ناديت: لمن هذا الأنين الذي يملأ الليل، ويجوب الأنحاء، ويتردد كثيرا على ألسنة العامة والدهماء؟! لم يُجِب أحد. فقط هناك ظل امرأة مُنهَكة يظهر أحيانا، ويختفي أخرى وكأنها من الأشباح. بيد أنها كانت غاضبة حد الانفجار؛ شرَعَتْ تتحدثُ وكأنها تنتظرُ أمرا جللا، حتى أخذ حديثها الآسر بشغاف قلبي. وقبل الثلاثين بخمس هبت نسائم الربيع؛ فغرد الطير، وتفتح الياسَمين، وتلاشى الأنين.
غير أن هذه الحال لم تَدُم طويلا. فبعد تمام الشهر بالتمام والكمال أي في اليوم الثلاثين، اندلعت عاصفة قوية كادت أن تكسر جمال الربيع؛ فعصَف الجو بِلَفحٍ من حرور ؛ وعاد الأنينُ، واختفت الطيور، وظهر ظل العجوز رافعة يديها نحو السماء؛ فساءلتها : ماذا تنتطرين؟ قالت وهي تئن:
زخات المطر.
التعليقات مغلقة.