لُقْيةٌ … قصة قصيرة بقلم/ علي جبل
يعانى كثيرا من الفاقة؛ لكنه عف النفس، كريم الروح، يرتقي بذاته عما يُقلل منها.
أغنَتْه كرامته عن الآخرين رغم الحاجة. يحمل فأسه على عاتقه عائدا من حقله في شهر رمضان قبل موعد الإفطار بنصف ساعة. وفي الطريق يعثر على لفافة ملقاة على إحدى جوانبه؛ تفحصها جيدا، وجد مبلغا كبيرا من المال بداخلها، تذكرَ ابنته التي مر على خِطبتها عامين لابن جارهم الأقرب، ولم يستطع أن يجهزها لضيق ذات اليد؛ زين له الشيطان ما أسَرَّهُ في نفسه؛ لكن زوجته أمينة التي ترفض أن تتناول حتى ولو ثمرة الطماطم التي تسقط على الحد بينهم وبين جارهم؛ كيف لها أن
تقبل هذه الأموال التي لا تعرف مصدرها ولا صاحبها؟ إنه يعرفها جيدا، نفسها الحرة تحتمل الظمأ، ولا ترضى بمورِد ليس لهم.
أصبح أمر اللقية شديدَ الوطئ على قلبه، فالحياة دائما تجعلنا بين خيارات صعبة، وقرارات قاسية، تُجْبِرنا كثيرا على أن نفاضل بين أمرين كلاهما مُر،هكذا كان يُتمتم عبدالهادي مع نفسه وهو في طريقه لبيته. وبالرغم من قصر المسافة بين حقله وبيته، إلا أنها أبت أن تمر إلاَّ وأجهدته من كَثرة التفكير، وصعوبة القرار، حتى أخرجه مدفع الإفطار وأذان المغرب من حيرته التي لازمته إلى أن وجد نفسه على مائدة الإفطار. وما أن تناول بعض تمرات، أسلفها بدعاء ” اللهم إني لك صمت، وعلى رزقك أفطرت” إلا وتذكر ما التقطه من الطريق، وظل يحدث نفسه عن الحلال والحرام حتى جالت زوجته أمينة بناظريها في الغرفة فوقع بصرها على اللفافة التي بجانبه!
-ما هذه اللفافة؟!
-وجدتها على قارعة الطريق
-وما الذي بداخلها؟
-تلعثم قليلا ثم قال: بها من المال الكثير.
خذها سريعا وأعلن عنها أمام المسجد وفي السوق لنعرف صاحبها؛ فنردها إليه.
-اقترب موعد زفاف ابنتنا وقد بلغ منا الفقر مبلغه ولم نستطع أن نجهز لها شيئا حتى
الآن وهذه لُقية!
-قالت أمينة: “وفي السماء رزقكم وما توعدون”، وما إن تناول بعض لقيمات حتى سمع ضجيجا وصخبا في بيت جاره الأقرب، قفز عبدالهادي إلى هناك، وعلى الفور لحقته زوجته بعد أن أخذت اللفافة ودستها في صدرها، وعندها أصابتهم الدهشة! وتملكهم الذهول! إذ علموا أن اللُّقَية لخطيب ابنتهم.
تمت
التعليقات مغلقة.