فقرات من رواية : أشباح المقابر.. مدحت الخطيب
انفتح باب المقبرة بالفعل وقد صرت مدثرا بكفني ، وكم كنت تواقا لازاحة الكفن عن وجهي حتى أرى ذلك الغريب الذي جاء الآن بلا موعد واقتحم المقبرة بلا استئذان من سكانها الاموات ، ولكني تمالكت نفسي حتى لا يفتضح أمري ، غير ان الرعدة التي سرت في جسدي كادت تكشف سري وتجرس خبري ، ولكن يبدو أن نابش القبر لم يلتفت إلى ارتجاف الجسد الممدد في المقبرة على الرغم أنه كان يحمل في يده قنديلا يستضيء به الليل وظلمة المقابر .
لم أر هذا الدخيل ولكني أدركت بسمعي أنه ساحر وقد أتي ليأخذ أثرا ليستخدمه في أعمال السحر الأسود ، كما أدركت انه ليس وحده ، ولكن معه امرأة يبدو أنها من تساعده في حمل القنديل ، وتهيأ لي انه جلس بركبتيه على ارض المقبرة ، ومد يديه نحو وجهي وأمسك بأطراف الكفن فنزعه وطلب من مساعدته أن تقرب القنديل نحو وجهي ، وبدأت اشعر بشعاع القنديل يخترق جفوني ، واشعر بالحرارة المنبعثة منه تسري على خدي ، لتمر بضع ثواني ولا أحد منهما يتكلم وكأنهما يخططان بتركيز تام فيما سيتم بخصوص هذه الجثة ، وأخيرا قطعت المساعدة هذا الصمت :
● هذه الجثة لا تصلح .
●● لماذا ؟ .
● إنها جثة شخص اصلع ونحن نريد شعيرات من منتصف الرأس .
ولأول مرة في حياتي أشعر بأن الصلع له هذه الفائدة التي ما بعدها فائدة ، فماذا لو كان الشعر يسكن دماغي ؟ وماذا لو كان الشعر وارفا في كل بقعة من بقاع الرأس ؟ من المؤكد أن الساحر ومساعدته كانا سيفعلان بي وقتها الأفاعيل ، ولكن اللهم حمدا لك على نعمة الصلع التي لم أدركها إلا وأنا في القبر وبين يدي السحرة .
ولكن الفرحة لم تدم طويلا ، فسرعان ما جاء الرد من الساحر لمساعدته :
● ولكن الجثة مشعرة العانة .
●● وهل يصلح جلد العانة المشعرة في فك العمل الذي تعاني منه مدام فاتن ؟ .
● نعم يصلح بشرط أن تقصي سنتيمترا واحدا دون زيادة أو نقصان ، وإلا فقد نتعرض لحضور جن المقابر الذين لن يغفروا لنا دخول المقبرة دون استئذانهم .
وبدون أن أدري كيف حدث ذلك ، وجدت نفسي وقد حركت كلتا يدي وأطبقت على موضع العانة بكلتا الكفين مخافة أن يقوم الساحر بقص هذا السنتيمتر منها ، فلتذهب مدام فاتن إلى الجحيم ، وليظل العمل الذي تعاني منه المذكورة قائما إلى الأبد ، ولكن هيهات هيهات أن يقترب مني أي ساحر على وجه الأرض ليقص جزءا من جسدي ولا سيما إذا كان المراد قصه هو بعض العانة .
غير أن كلامي كله تبخر ، ووعيدي كله تبعثر ، وقوتي كلها خارت ، وأعصابي كلها تضعضعت ، ومفاصلي كلها ارتخت وتبعزقت ، فوجدتني مستكينا للساحر ومساعدته ، منقادا لمشرطهما الذي سيجتزان به قطعة من عانتي ، راضخا لكل ما جاءوا من اجله ، ليبدأ الساحر بوضع مشرطه على الجزء الذي سيفصله بعد قليل عن باقي جسدي ، ثم اخذ يتمتم بأصوات وعبارات وألفاظ وهمهمات لم أفهمها ولم أفطنها قبل ذلك ، وعند اللحظة الأولى من عملية القطع لم استطع التماسك ، فوجدتني أهب واقفا ومنطلقا نحو باب المقبرة وليس على لساني سوى الصراخ قائلا : إلا العانة .. كل شيء إلا العانة .. اذبحوني ذبحا ولكن لا تقطعوا لي جزءا من العانة .
عندئذ سقط المشرط من يد الساحر الذي سبقني هو ومساعدته راكضين إلى باب المقبرة هرعين يقولان في نفس واحد : جني المقابر .. انه جني المقابر .
التعليقات مغلقة.