موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

المدينة المثالية عند ابن رشد بحث للدكتورة آمنة الهجرسي

592

    في هذا البحث المصغر سأتناول مفهوم المدينةالمثالية عند ابن رشد والفروقات التي بين رؤيته ورؤية أفلاطون لها ، وكيف أن مدينة أفلاطون المثالية كانت صعبة التحقق بينما الشروط والإمكانات التي شرحها ووضحها ابن رشد في المدينة وسكان المدينة قابلة للتحقق على أرض الواقع بل وهو يرى أنها قابلة للتحقق في زمانه هو الذي عاش فيه في بلاد الأندلس ، وقد فصل القول في عديد من الجوانب المتعلقة بعلم النفس والاجتماع والمنطق في عرض يعكس مقدار العلم الذي كان عليه ومقدار قدرته على التحليل والاستقراء والاستنباط واللجوء إلى وسائل عقلية من أجل الإقناع وليس بطرقة جدلية حوارية كما فعل أفلاطون ، ويعد ابن رشد مع أفلاطون من الفلاسفة السباقين إلى تناول مسألة إشراك المرأة في سائر الأمور وليس فقط فيما جبل الناس عليه من عادات مجتمعية متوارثة ، وقد عرض لأنواع السياسات وكيف أنها تتعدد بتعدد الطباع البشرية والخصال النفسية التي قد يكون عليها الحاكم وكيف ينعكس هذا على مدينته والناس فيها. 

   ولأن تناول هذا الفيلسوف الكبير لهذه الرؤية كان شديد التفصيل والدقة ، حيث أضاف العديد من الشروحات والنقاط التي لم يضفها أفلاطون وعرض للعديد من التناقضات التي قد نجدها عند بعض الفلاسفة المسلمين كالفارابي  مثلا فإن الإحاطة بهذه الجوانب كلها سيكون صعبا في بحث صغير كهذا ، وعليه فقد آثرت تحديد النقاط المهمة جدا لعنوان البحث واختصار باقي النقاط قدر المستطاع لأن ابن رشد لم يترك كبيرة ولا صغيرة تتعلق بهذا الجانب من تشييد المدينة وطباع سكانها التي يجب أن يكونوا عليها وخصالهم وخصال حاكمهم وأحوالهم في السلم والحرب وأنواع السياسات وأثرها على المدن إلا وفصل القول فيه..

 وقد انتهى ابن رشد إلى نتائج مهمة يعد بها سباقا للفلاسفة في زماننا هذا ومصححا لكثير من آراء الفلاسفة اليونانيين ممن سبقوه …

     لقد تمنى ابن رشد أن يشيد مدينة مثالية فاضلة حقيقية في الواقع ، وقد كان متأثرا بشدة بآراء أفلاطون خصوصا في الأسلوب الذي اتبعه لتأسيس هكذا مدينة .. ومع ذلك هناك فوارق بينهما لأن أفلاطون لم يكمل فكرته حتى النهاية . وقد خالف ابن رشد أفلاطون في أنه كان عمليا في نظرته حيث تناول المسألة السياسية بطريقة واقعية ممكنة التطبيق وليس وفقا لما هو مثالي بالحرف كما هو الحال عند أفلاطون، وقد عرض لها بأسلوب تدريجي وتخلى عن طريقة أفلاطون الحوارية الجدلية واستبدلها بالتحليل والتركيب أي أنه ارتفع بالسياسة من مستوى الجدل إلى مستوى العلم() فابن رشد يرفض التسليم بصعوبة وجود من ينطبق عليه مواصفات أفلاطون وقام بإهمال المدخل الذي وضعه أفلاطون واستهل به محاورته وعرض لأفكار وآراء أصبح وفقا لرؤيته العقلية شريكا في النص () .

      فهو يتجاوز أفلاطون في عدة مواضع في كتابته عن المدينة الفاضلة كما لاحظ بعض العلماء والباحثين ، ويضع شروحا من عنده ليتخطى بذلك الإطار الذي كان أفلاطون يتحرك فيه وقد اهتم كثيرا بالمقالة الثانية حيث وصف الخصال التي يجب أن يكون عليها الفيلسوف الذي يترأس المدينة الفاضلة() وهنا تكمن نقطة الخلاف بينه وبين أفلاطون لأن أفلاطون يرى أنه من الصعب أن نجد شخصا تتوافر تلك الشروط والخصال المثالية التي صاغها بنفسه بينما ابن رشد يرى أن تشييد المدينة الفاضلة أمر ممكن بل ” ليس إمكانا مطلقا فحسب ، بل أيضا محددا بزمان ومكان ، هما زمان ابن رشد ومكانه .”()

    ويشرح ابن رشد هذه الرؤية ويوضح إمكانيتها وشروطها الصحيحة في الكتاب قائلا : ” والجواب أنه يمكن أن نربي أناسا بهذه الصفات الطبيعية التي وصفناهم بها ، ومع ذلك ينشؤون وقد اختاروا الناموس العام المشترك الذي لا مناص لأمة من هذه الأمم من اختياره ، وتكون مع ذلك شريعتهم الخاصة بهم غير مخالفة للشرائع الإنسانية ، وتكون الفلسفة قد بلغت في عهدهم غايتها . وذلك كما هو الحال في زماننا هذا وفي ملتنا هذه ( الإسلام ) فإذا ما اتفق لمثل هؤلاء أن يكونوا أصحاب حكومة ( حكم) وذلك في  زمن لا ينقطع ، صار ممكنا أن توجد هذه المدينة.”()

   فمدينة أفلاطون مشروع خيالي خاضع لمثالية مفرطة وهذا هو السبب الرئيس في شعور أفلاطون بصعوبة إيجادها ،بينما مشروع ابن رشد مشروع واقعي قابل للتنفيذ إذا ما طبقنا مجموعة من الشروط أو اتبعنا مجموعة من الخطوات العملية على أرض الواقع …

    لقد كان فكر ابن رشد يهتم كثيرا بقضية الأخلاق وكان مشغولا بأنظمة الحكم الفاسدة على مر العصور وكان هذا دافعا قويا له لمناقشة مختلف الجوانب المتعلقة بهذا الجانب ومحاولة وضع حلول منطقية لها وقابلة للتنفيذ ، واهتم بتحديد أنواع الحكومات الفاضلة وغير الفاضلة وعرض لنا أنواعا وضعها أفلاطون وأرسطو وأضاف إليها مما رصده في عصره() ووضع شروطا للمدينة الفاضلة :

1- المركزية : فهو يرى أن الدولة رئاسة أولى تتبعها سائر الرئاسات الأخرى ، وهي تتطلب الاعتدال والقضاء على الفوضى القائمة في المدن سريعة البوار والاقتصاد المغلق ().

2- أن يكون هناك قانون نرجع إليه وعادات وضوابط توجه الملك حتى لا يكون ظالما.

3- أن تكون السياسة مدينة تنويرية بحيث يعود الحاكم إلى الفيلسوف أو العالم كمرشدين له.

4- إجراء إصلاحات ثقافية قائمة على عدة نقاط() :

أ- القضاء على النفوذ الأیدیولوجي والاجتماعي .

ب- نشر العلم على نطاق واسع والاھتمام بالعلم الطبیعي ، لأن معرفة الطبیعة طریق

ج- القیام بتربیة الناشئة والتأكید على أھمیة استعداد الجمھور لھا ..وقد وضح ذلك أثناء شرحه لجمهورية أفلاطون ، فقد كان أفلاطون يحرص على تربية الأولاد وإعدادهم ليكونوا أفرادا أفاضل في المدينة ويهتم بنوعين من التربية  هما التربية البدنية والتربية الموسيقية .. يقول ابن رشد : ” أما تعليمهم الأخلاق وتربيتهم عليها ، فذلك يكون بطريقتين ك أحدهما الرياضة والثاني بالموسيقى .الرياضة لإكساب الجسم فضيلته الحق (الصحة ) ، والموسيقى لتهذيب النفس وتحصيل الفضائل . وهذا التهذيب أسبق في الزمان أعني  التهذيب بالموسيقى ، لأن قوة الفهم أسبق من قوة ترويض الجسم .”()

د- تحریر المرأة من عبودیتھا للرجل ودعوتھا للمشاركة في جمیع شؤون الدولة بما فیھا إدارة شؤون الدولة . وقد سبقنا أفلاطون بعصور في هذه الرؤية فهو يرى على لسان سقراط أننا يجب أن نحقق الانتفاع الكامل من إمكانات المرأة في الدولة والمجتمع عبر تحريرها من السجن المنزلي التقليدي والدور الذي يرسم لها قبل ولادتها.

    ويوافقه ابن رشد فيما ذهب إليه فيقول :   ” فإن كان الأمر الأول فقد یصح أن تقوم النساء في المدینة بأعمال ھي من جنس الأعمال التي یقوم بھا  الرجال ، أو بعینھا فنكون من محاربات وفیلسوفات وحاكمات وغیر هذا “.()

5- محاولة النظر إلى مجتمع المدینة الفاضلة نظرة علمیة.

6- الإقرار بالوحدانیة الإسلامیة والشرع في صورته  الأولى وفي الوقت نفسه إعلان سیادة العقل وتأویل النص الدیني عند الضرورة على ھدى العقل الإنساني.

   فابن رشد يرى أن الإسلام جاء لإصلاح الإنسان عن طريق الأخلاق والفضائل ، فالحياة لا تصلح وتصبح مثالية إلا بوجود الإنسان الصالح ذو الأخلاقيات الفاضلة وبناء عليه فقد وضع أربع فضائل مهمة  كان أفلاطون قد حددها وتحدث عنها  وهي : الحكمة والعدالة والعفة والشجاعة وهي خصال إذا توفرت في النفس البشرية أصبحت كاملة ، يقول أفلاطون على لسان أرسطو : ” وكونها كاملة ، فهي لذلك عاقلة وشجاعة ومعتدلة وعادلة.”

فالمدينة تصبح فاضلة بالحكمة التي هي العلم بالغاية الإنسانية لأن الحكم سيكون من خلال العلم بها كما يوضح ابن رشد ،  أي بالجمع بين العلوم النظرية والعلوم العملية . وعندما نتساءل من أين نحصل على هذه الحكمة المنشودة ؟ يجيبنا : من أقل أجزائها عددا وهم الفلاسفة لأن طباعها أندر من سائر الطبائع فلا تتوفر لدى الجميع ، فطبيعي أن تكون الحكمة على رأس الجميع ..

 أو الثبات على الرأي أولا والتمسك به في أوقات الضعف والقوة  وفي ذلك يقول أفلاطون على لسان سقراط : ” وستكون المدينة شجاعة بجزء من نفسها أيضا ، ذلك الذي تسكنه القدرة كي يحفظ تحت كل الظروف .”وابن رشد يشرح ذلك مبينا أن الحفظة هم الفئة التي تتوافر فيهم فضيلة الشجاعة في المدينة الفاضلة  وليس في سائر الطبقات التي تسكن المدينة .

وهي الفضيلة التي يجب أن يتحلى بها جميع الناس في المدينة الفاضلة بدون استثناء ” العفة يجب أن تكون خلقا لأهل المدينة جميعا” فهي التوسط في كل شيء من الشراب والطعام وسائر المعاملات الإنسانية فهي الصفة التي سيضبط بها الإنسان شهوانيته التي هي أخس جزء في النفس البشرية مستخدما أشرف جزء فيها وهو العقل كما شرح ابن رشد :  “و إن ھذه الفضیلة لا ینبغي أن تكون مقصورة على فئة واحدة من فئاتھا، بل يجب أن تكون عامة في الرؤساء وفي الجمهور على السواء . وليس ثمة غيرالعفة سلوكا إنسانيا فاضلا يوصف بهذا الوصف ( كونه عاما للجميع ) ، بخلاف الحكمة والشجاعة اللتين تنسبان إلى المدينة على أنهما جزء منها ، بدءا من النشأة على نحو واحد ، أعني التوافق معهما وتجنب ما يناقضها.” 

حيث يرى ابن رشد أن العدالة هي الصفة التي تمنح المدينة السلامة والبقاء طالما بقيت فيها أي تفشت فيها وعمل حاكمها وأهلها بها وذلك باحترامهم حكاما ومحكومين للنواميس وما توجبه ، أي أن كل شخص يقوم بما سبق وأُعد له في صورة معتدلة وفي ذلك يقول أفلاطون على لسان سقراط : ” وإذا وجدت الدولة التي سيتفق  فيها الحكام والرعية على سؤال من سيحكم ، فتلك ستكون دولتنا مرة ثانية .”()

   فالاعتدال لا يشبه الشجاعة والعقل لأنه يجري خلال علامات الميزان كلها وينشأ عنه اتحاد بين الضعيف والقوي والمتوسط في الطبقة ، وإن بدأ به الحاكم عمل به الجمهور (سائر طبقات سكان المدينة)  ولهذا يعرفه ابن رشد قائلا : ” العدل : احترام السادة والجمهور ما توجبه النواميس) ، ويفصل ابن رشد لمساوىء سريان الظلم حيث تنتقل آثاره من شيء لآخر ومن مرتبة إلى مرتبة وفي ذلك ضرر كبير وبخاصة إذا انتقل إلى حاكم المدينة ، فالعدل كذلك إذا سرى بين سائر أفراد المدينة كان له نفع كبير  فهو على مستوى قوى النفس أساس العدل في المدينة ()، فتحقيق العدالة هو شأن عام يشارك فيه الجميع لبناء دولة تقيم توازنا بين الأفراد ويحصل فيها كل فرد على ما يستحق بناء على تحقيق هذا التوازن()..

هناك صفات يجب أن تتوافر للشخص الذي سيحكم مدينة ابن رشد المثالية وقد شرحها بالتفصيل واهتم بها كثيرا لأهمية هذا المنصب السياسي لأنه إذا كان الرأس سليما كانت أجزاء باقي الجسد كذلك فما هي هذه الصفات الواجب توافرها : 

أولا :أن يكون فيلسوفا  فالحاكم الكامل في نظر أفلاطون يجب أن يكون كذلك ويشرح ابن رشد مقصد أفلاطون بكون الحاكم هو الفيلسوف ، فهو شخص لديه من العلوم النظرية والعملية لأن ذلك سيمنحه رجاحة عقل يضع من خلالها منهجا سليما يسير عليه في مدينته المثالية مع أن هذه النظرة قد تبدو شديدة المثالية .

ثانيا : سلامة الفطرة والطبع من الأخلاط التي تنشأ من الفساد أحيانا وأن يكون لديه استعدادا فطريا لتحصيل العلوم النظرية وأن يكون من أصحاب البداهات.

ثالثا : أن يكون قوي الذاكرة ولديه قدرة على الحفظ.

رابعا : أن يحب التعلم ويقبل عليه بشغف.

خامسا : أن يكون لديه خصال كالأمانة والصدق والبعد عن الكذب إلا في الأمور التي تتعلق بحماية مدينته بهدف الإصلاح.

سادسا : البعد عن الشهوات والملذات الحسية لأن ذلك سيعيق تحصيل الفضائل.

سابعا : البعد عن الطمع وحب المال وجمعه.

ثامنا : أن يكون عال النفس والهمة وشجاعا مقداما ؛ لأن التدبير فن يحتاج إلى قوة الشكيمة.

تاسعا : النزوع إلى حب الخير والحق والجمال وسائر الصفات الحميدة.

عاشرا: أن يكون خطيبا فصيحا قوي العبارة وقادرا على الإقناع بالحجة.

وبالإضافة إلى ما سبق يجب أن يتحلى بصحة وجسد قوي البنيان ، وأن يتحلى بسائر الصفات الخلقية المحمودة..

   لكن هذه الصفات السابقة تبدو شديدة المثالية كما لاحظ ابن رشد بل وممتنعة إذ يقول : ” فمن اجتمعت فيه هذه الشروط من صغره ، واتفق له مع ذلك أن نشأ على نحو تلك النشأة التي سيصفها فيما بعد ، فهو الذي ينبغي أن يحكم هذه المدينة . ولهذا كله يندر وجود مثل هؤلاء القوم . ولمكان هذا يصعب وجود هذه المدينة.”

   يرى ابن رشد أنه يمكن إيجاد المدينة المثالية وأنها ممكنة في زمنه هو إذا قمنا بتربية أناس بالصفات الطبيعية التي فصل القول فيها وأنهم إلى جانب توافر هذه الصفات فيهم ينشؤون وقد اختاروا الناموس العام المشترك الذي لا مناص لأمة من هذه الأمم من اختياره وبالتالي تكون شريعتهم غير مخالفة للشرائع الإنسانية ، وكذلك ستكون الفلسفة قد بلغت غايتها في عهدهم …

ويتناول ابن رشد الأسباب التي جعلت من مدن السابقين غير فاضلة رغم وجود الفلاسفة فيها ويضع لنا سببين :

الأول : أن هذه المدن لم تأتمر بأقوال الفلاسفة وتتخذهم قدوة لها ولم يستفيدوا من خبراتهم.

الثاني : سوء فهم ما عليه معظم متعاطي الفلسفة أي القائلين بها ومدعي حملهم لها لأنهم قد فقدوا صفاتها التي هي صفات الفيلسوف الحق ، ويرى ابن رشد أنه من النادر وجود من تتوافر فيه هذه الصفات وتتكامل ، وحتى إن وجدت هذه الصفات بأحدهم فإنها لن تجدي نفعا إذا كان تربى في بيئة سيئة التنشئة لأنه لن يقدر على النهوض بالأمور العظيمة ومن هؤلاء السفسطائيين..

 إن وجود أصحاب الغرائز والطباع الشريرة من شأنه أن يشيع الفساد في المدن والبلاد وعليه سيصبح من الصعوبة إيجاد مدن مثالية أو فاضلة لأنها هؤلاء سيعيقونها بالتأكيد وسسيعم الضرر في طبقات المجتمع المدني ..

    يرى أحد الباحثين أن مدينة ابن رشد التي يحلم بها هي مدينة تشبه الفردوس المفقود وأنها مليئة بالحرية والأمان والعدل والمساواة الاجتماعية ، ولذلك فهو يبدأ بالحديث عن الإنسان والبحث في الهدف من وجوده ليصل إلى الغاية من وجود هكذا مدينة مثالية () ، يقول ابن رشد : ” إنه لما كان الإنسان واحدا من الموجودات الطبيعية ، فإنه يجب بالضرورة أن تكون له غاية من أجلها خلق ، لغذ لكل موجود طبيعي غاية .” فالإنسان لم يخلق عبثا وإنما خلقه الله لتعمير الأرض ومعرفة ربه ، وهو يعترض على النظرة التي تجعل من الإنسان مخلوقا بلا هدف يتناول الطعام والشراب ويتناسل وينتظر الموت مثله مثل سائر الكائنات وما لهذا خلق الإنسان.

ويتأتى ذلك من خلال اكتساب الكمال الإنساني الذي يوجد فينا بالقوة ويتجسد بالإرادة والمجاهدة  ، وهو يتفق مع الفارابي في أن تحصيل الكمالات يحتاج إلى جماعة سياسية ، وأن الفرد الواحد لا يمكنه ذلك لأنه يفتقر إلى المجال الحيوي الذي يفجر فيه مدينته ، وعندما أراد ابن رشد قول أن الكمال الإنساني موجود فينا بالقوة إنما أراد أن ينقد رأي كل من ابن ماجة وابن طفيل عندما نظروا إلى الكمال على أنه مسألة شخصية وتجربة ذاتية  ويرى الدكتور عبدالرحمن بدوي أن ابن رشد لم يهمل نواحي الكمال الأخرى في اكتساب أسباب العيش فهو قد جمع بين الرؤيتين الأفلاطونية والأرسطية وبالتالي يصبح وجود مدينته المثالية واقعيا قابلا للتحقق..

 ويتناول ابن رشد العديد من الجوانب المتعلقة بالكمالات الإنسانية ليوضح وجهة نظره فيما ذهب إليه وأخذه عليه غيره من الفلاسفة فهو يرى أنه لما كانت الكمالات الإنسانية لا يوجد منها بالطبع إلا الاستعدادت فقط أو البدايات المؤدية إلي غايتها فإنه لا يوجد في الطبيعة ما يكفي لبلوغها بتمامها وأنه تبين من العلم الطبيعي أن للإنسان أفعال مشتركة مع غيره من الموجودات الطبيعية البسيطة منها والمركبة .. وأن هنالك نفسا غاذية ونامية ومتناسلة يشترك فيها مع سائر الحيوان كما أنه يشترك معه على نحو ما بالنزوعية … والذي يختص به الإنسان بشدة وواضح وضوح الشمس هو العقل أو القوة العاقلة ..

ويخلص ابن من شرحه الوافي المفصل إلى أن الكمالات الإنسانية  نظرية وعملية وعلمية وخلقية ، ثم يقسمها إلى ثلاثة أنواع أخرى هي فضائل نظرية وخلقية وصنائع عملية ليصل إلى نتيجة أن الكمالات متعددة وأنها موجودة لموجود واحد هو الإنسان وأن الغاية منها تحقيق السعادة الاسمى للإنسان فالكمال الأسمى في رؤية ابن رشد هو العقل النظري ()

فالوصول إلى معرفة الله تعالى هي الهدف الأسمى من وجود الإنسان وخلقه ، فالتعلم والتدرج في طلب العلم سيؤدي إلى معرفة الخالق في النهاية. 

    ولأن ابن رشد يدرك أهمية وجود حاكم مثالي لمدينة مثالية نجده يخصص القول في المقولة الثالثة لأنواع السياسات ويقارن بين السياسات الفاضلة وغير الفاضلة ويوضح الآثار المترتبة على كل واحدة منها فالملك الفاضل هو من يمكنه سياسة قوم أخيار ويناقش مقولة أفلاطون في الأمور الواجب توافرها في حاكم المدينة الفاضل بعد أن يجعل أنواع السياسات ستة بدلا من خمس : ” فإن قام بهذه السياسة من اجتمعت فيه خمسة شروط ، وهي : الحكمة والتعقل التام وجودة الإقناع وجودة التخييل والقدرة على الجهاد ببدنه وأن لا يكون في بدنه شيء يعوقه عن مزاولة الاشياء الجهادية ، فذاك هو الملك على الإطلاق ، وسياسته هي سياسة الملك الحق .”

    ويتفق ابن رشد على وجود أنواع للسياسة منها سياسة الكرامة وسياسة الخسة والسياسة الجماعية أو مدينة الحرية وسياسة التسلط وهي التي تتناقض تماما مع السياسة الفاضلة ، ويتنهي إلى أن السياسات متنوعة لأنها مرتبطة بطبائع النفوس واختلافها.. ويتحدث عن مختلف الأحوال والتغيرات التي قد تصيب الحياة السياسية في المدينة في صورة تعكس دقة هذه الفيلسوف في الإحاطة بمختلف الجوانب المتعلقة بهذه القضية والتي يصعب الإحاطة بتفصيلاتها هنا في هذا البحث المصغر ….

تناول هذا البحث رؤية ابن رشد للمدينة المثالية بصورة واقعية أكثر من تلك التي رسمها أفلاطون ثم شكك في وجودها وفي وجود حاكم مثالي لسياستها ، وقد شرح ابن رشد آراء أفلاطون ومقولاته عن المدينة الفاضلة في صورة علمية تحليلية واعتمد على العقل والاستنباط بعكس أسلوب أفلاطون الحواري الجدلي … 

   ومدينة ابن رشد واقعية يمكن تحققها إذا توافرت بعض الشروط والخصال في الناس ( المحكومين ) والحاكم الذي يحبذ أن يكون فيلسوفا قدر المستطاع وقد وضع شروطا لتحقق هذه المدينة وشرحها بدقة في كتابه..

  وأيضا تناول الغاية من وجود المدينة المثالية وأن الأصل هو تحقيق السعادة والكمال للإنسان الذي أوجده الله وميزه بعقله عن سائر المخلوقات ليتدرج في البحث عن الكمال وتحقيق الهدف من وجوده وهو معرفة الله..

التعليقات مغلقة.