رجلي الوقور العنيد… قصة قصيرة بقلم /د/ نجوى محمد سلام
في عمق الصمت ، حيث تنعدم كل النظريات ، و حيث الهمس يعلو والنظرات تتكلم ، برعت عيني في احتلال حدقتيه ، وأتقنت فنون الإصغاء لما لا يُقال .
وسط سكون أنفاسهم استمعت لضجيج روحه هذا الباحث عن الأصداء في الفراغ ، تأملت روحه بعيون ترى ما وراء الأبعاد ، تشبثت عيناه بي مرغماً ، ليروي لى وحدي قصصاً لم تحك بعد ، وأحلام لم تعش ، شعرت برعشات نبراته قبل أن تتحرر من الصمت . حذرته من خطر الغرق في أحداقي لكنه كان مصراً ، نبهته لمنحدرات عيني قائلة له : في عيني، العالم ليس مجرد ألوان وأشكال، بل هو لوحة تتشكل من معاني وأحاسيس. أرى الجمال في التفاصيل الصغيرة، في الابتسامة الخجولة، في اللمسة الرقيقة، في الكلمة الطيبة. أعيش في عالمٍ حيث الصدق هو اللغة الوحيدة التي أفهمها، والأصالة هي العملة التي لا تفقد قيمتها.
أنا لا أتحدث بكلمات، بل بقلبي. كل حرف أنطقه هو جزء من روحي، كل جملة أكتبها هو نبض من قلبي. الصدق هو النور الذي يضيء دربي. لا يمكن لمن يرى العالم من خلال عدسة سطحية أن يفهمني، فأنا أعيش في العمق، حيث الكلمات لها جذور والأفكار لها أجنحة.
استجداني أن أنظر بعين البصيرة إليه ، انتابني القلق عليه وحذرته من دوامات نظراتي قائلة :
عندما أنظر إليك، لا أرى ملامحك فحسب، بل أرى قصصك التي لم تُروَ بعد، أرى أحلامك التي تختبئ خلف نظراتك، وأرى آمالك التي تتراقص على شفتيك. أرى الكلمة قبل أن تنطق، وأشعر بالنبرة قبل أن تُسمع. أنا لا أسمعك فقط، بل أستمع إلى الصمت الذي يحيط بك، إلى الهمسات التي تخشى البوح بها، إلى الأنفاس التي تحمل أثقال أيامك .
استأذنني في الولوج لعالمي ، حذرته مراراً لكنه كان مغامراً ومحارباً مغواراً ، أخبرته طبيعة عالمي قائلة :
عالمي تحيطه الطلاسم والألغاز ، عالمٌ حيث الإحساس يترجم إلى لغة، والتفاصيل تصنع الفارق. في هذا العالم، أنا لست مجرد عاشقة للحرف ، بل أنا ساحرة ، أرسم بكلماتي وأعزف بأفكاري، وأنثر من روحي على كل من يمر بحياتي .
ابتسمت لي روحه الطاهرة ، عملته المباركة التي لا تفقد قيمتها مهما جالسهم لا تخضبه أصباغ نفاقهم .
هناك من يتقن فن الإصغاء للصمت، يرى ما لا يُرى ويسمع ما لا يُسمع، يعيش بيننا ولكنه ينتمي لعالمٍ آخر، عالمٍ حيث الكلمات ليست مجرد أصواتٍ تتردد، بل هي أنغامٌ تعزف سيمفونية الروح.
هو كان بينهم ليلتها رجلي الوقور العنيد .
الفراشة الحالمة
التعليقات مغلقة.