(الفن التشكيلي..رسالة لم تصل بعد) – ٣ …بقلم ولاء محمد
( دور الفن في القضايا الوطنية العامة والهوية الوطنية )
بإمكانك أن تقرأ مقالاً فيؤثر في طريقة تفكيرك أو يؤثر فيك وجدانيا . وبإمكانك أن تنظر قليلا أو مطولاً إلى عمل فني فيؤدي نفس التأثير أو أعمق في نفسك . فالفنان مثل الكاتب والصحفي ولكن مع اختلاف أدوات التعبير عن الرسالة المراد إرسالها
في المقالتين السابقتين من تلك السلسلة ناقشنا أزمةً واقعة وفجوةً حقيقية بين الفن التشكيلي والمتلقي . وتساءلنا أين المتلقي الحقيقي وبعد دراسة وبحث واستقصاء خلصنا إلى أن كلمة السر هي الأطروحة ..
على قدر ومدى جدوى الأطروحة بالنسبة للمتلقي يكون الإقبال .
وفي هذا المقال أوجه كلمتي لرجل الشارع من العامة وللفنان على السواء . الفن التشكيلي ليس فقط عمل جميل فيه لمسة ابداعية وإستعراض مهارات . بل هو في الأساس أداة للتعبير
يعبر بها الفنان عن مشاعره وأفكاره ورؤاه مع مراعاة القيم الجمالية والفنية .
و حسب شخصية الفنان واتجاهه الفكري وخلفيته الثقافية والمعرفية يكون مدى عمق أو ضحالة أطروحاته .
فعندما يكون الفنان على قدرٍ عالٍ من الوعي بقضايا وطنه وأمته فإنه يستخدم أداته المتفردة للتعبير عن تلك القضايا . . عما يريد أن يقوله العامة بهذا الأمر ولكنهم لا يمكلون أدوات التعبير كما يمكلها الفنان ..عن رأيه ورؤيته
وهنا يقوم الفن بدوره التعبيري والتثقيفي والتوعوي والتوجيهي كما ينبغي في القضايا العامة وحتى في تأصيل الهوية الوطنية . فالفن التشكيلي لغة رمزية تعني بالبعد البصري . تأصلت وتجزرت الهوية بما نقله التاريخ لنا من مفردات حضارية في شكل فنون نراها في الآثار على مر الحقب التاريخية وتتابع الحضارات في بقعة أرضٍ لها امتداد تاريخي وموروث إنساني . ويظل الحفاظ على الهوية الوطنية مهمة الفنون في الحفاظ على التراث الثقافي والحضاري وتأصيل الهوية البصرية على اختلافها وتنوعها المكاني، فبلادنا غنية بالتنوع الحضاري بتنوع الأقاليم .
يعكس العمل التشكيلي تلك الهوية التي يعرضها للعالم ويعرف بها عن ثقافته ونعرف بها أنفسنا ونواجه بها تغريبة العولمة . فالفن التشكيلي له دورا محوريا في مواجهة ذلك إذا تم استغلاله بشكل صحيح سواء في تأصيل الهوية الوطنية أو في نشر القضايا العامة
.. فمن المتفق عليه أن الفنون هي القوة الناعمة المؤثرة إذا حسن استخدامها
فإذا تخيلنا المعادلة :
طرح قضية وطنية + فنان على وعي وصاحب رؤية = تأثير عظيم على العقل الجمعي
ولعل قنوات الإتصال الحديثة اختصرت المسافات بين العمل الفني والجمهور . بات العمل سهل الإنتشار والوصول.
ويحضرني مثال على ذلك حين عرضت لوحة ( درة ) منذ سنوات في معرضي الشخصي وكيف أتى لها من بلغه أن هناك معرضاً فنياً يناقش قضايا عربية وأن أيقونة المعرض هي لوحة ( درة ) وهي لوحة تجسد ذلك المشهد المحفور في أذهان كل العرب للحظة استشهاد الطفل محمد الدرة محتمياً بأبيه . حتى أن الخبر تناقل في مواقع التواصل الاجتماعي وفوجئت بالأستاذ جمال الدرة والد الشهيد والبطل الثاني للوحتى يتواصل معي ويشكرني ويعزم على حضور المعرض . وإذ بلوحتى تتجسد حية ويقف بجانبها بطلها الذي لم أتخيل أن التقيه يوماً . وإذ بمتابعين من خارج الوسط التشكيلي من شتى محافظات مصر يحضرون خصيصا لأنهم لمسوا قيمة حقيقية تقدم خلال الفن التشكيلي هكذا الفن هو لغة عالمية عابرة لكل الحدود ؛ إذن فالفن مسؤلية . وهنا وجب التذكير أن تلك الأداة الإبداعية للتعبير هي أمانة من الله عز وجل قد حملها للفنان . وسيسأله عنها فيم استخدمها !!
وتلك مسؤلية لو تعلمون عظيمة.
وعلى ذكر المسؤولية يكون ذكر المصداقية : صدق الفنان فيما يطرحه هو شرط الوصول و التأثير. وهذا يتطلب من الفنان أن يكون صاحب كلمة و ريشة حرة ترسم صدقاً بما يرضاه الضمير الإنساني غير متأثرٍ بأية ضغوط . وذلك يتطلب قدراً كبيراً من حرية التعبير لتتمتع الحركة التشكيلية بحرية الابداع .
وبحديثنا عن المسؤولية والمصداقية وحرية التعبير سأطرح عليكم نتيجة استقصاء أجريته لمجموعة من الفنانين التشكيليين وكان السؤال كالتالي:
هل يقوم الفن التشكيلي بدوره كما ينبغي ؟؟ نعم أم لا .
وجاءت الآراء متخبطة ومتضاربة ومترددة كما هو الحال الواقع.
معظم من أجري عليهم الاستقصاء لم يستطع الإجابة في البداية، ومنهم من انتابته بعض المخاوف من المصارحة ومنهم من قال نعم طبعاً طبعاً ثم غير الاجابة حين اطمأن !
و بعد كثير من التردد والتخبط ومحاولاتي للطمأنة جائت الإجابات النهائية كالتالي
لا : 60%
إلى حدٍ ما : 40%
نعم : 0 %
فنجد أنفسنا الآن أمام إشكالية كبيرة . بل إشكاليتين وليست واحدة
أولهما هي نتيجة الاستقصاء التي تحتاج إلى دراسة من المختصين والمسؤلين وإيجاد الحلول العملية والحقيقية
وثانيهما هو ذلك التخبط والتردد الذي انتاب من أجري عليهم هذا الاستقصاء . وهذا أيضا يقول لنا الكثير عن بيئة الفن التشكيلي والتي تحتاج كذلك إلى الجهود حتى تكون بيئة مناسبة للإبداع
وحتى يقوم الفن التشكيلي بدوره كما ينبغي !
بقلم ولاء محمد
التعليقات مغلقة.