موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

أوليفيا : أيقونة الصراع الأزلي بين الحق والباطل …دراسة ونقد الدكتورة آمنة الهجرسي

257

    لم يعرف العرب القدماء فن المسرح أو الشعر التمثيلي بمفهومه الإغريقي العريق ولكن تشير العديد من الدراسات والآراء إلى أن العرب عرفوا أسلوب القص في قصائدهم وبخاصة في العصور الأولى من الحضارة العربية الإسلامية ، كما عرفوا بعض أشكال التمثيل الأخرى في قرون متقدمة من الحضارة العربية الإسلامية كخيال الظل الذي ظهر على يد ” ابن دانيال “في القرن السابع الهجري فيما تذكر بعض المصادر ، وهو لون من الفن أقرب ما يكون من مسرح العرائس منه إلى المسرح بمفهومه اليوناني القديم .. ولقد تناول العديد من الباحثين والدارسين مسألة غياب المسرح عن المشهد الحضاري الإسلامي القديم بالدراسة والبحث عن الأسباب والعوامل التي أدت إلى تأخر معرفتهم بالمسرح وذهب كل فريق إلى رأي من الآراء وفصله له تفصيلا ، غير أن أكثر هذه الدراسات موضوعية من حيث التناول ودقة العرض واتباع منهج علمي يفرض من خلاله الفرض ثم يتم مناقشته هو ما كتبه العملاق توفيق الحكيم في مقدمتة مسرحيته ” الملك أوديب” وقد خلص في نهاية المطاف إلى نفي غالبية الإدعاءات التي نادت بقصور الأدب أو نفور الدين  …إلخ وانتهى إلى أن : 

      ” ليست هناك خصومة أصيلة بين اللغة العربية والأدب التمثيلي … إما هو نوع من التباعد المؤقت ، مرجعه الافتقار إلى الأداة … شأن العرب هنا شأنهم يوم كانوا لا يعرفون من المطايا غير الإبل … لو أن الظروف شاءت أن تحرمهم الجواد ، لظلوا حتى الساعة لا يعرفون ركوبه ! ….ولكن ما إن دخل الجواد الصحراء حتى غدا العرب فرسانه !… حذقوا فنون تربيته ؛ وفنون الحديث عنه … فإذا سئل اليوم عن الجواد الأصيل ، في أرجاء العالم قيل هو الجواد العربي ، وإذا أريد وصف رائع لخصال الخيل ، فلن يكون إلا في الشعر العربي! … كل الأمر إذن في الأداة !  …  وكما أن العرب لسان حالهم يقول : ” أعطونا الجواد ونحن نركب ” ! …  فإنهم كذلك قد يقولون : ” أعطونا المسرح ونحن نكتب ” !  …”

  وبالفعل وبمجرد احتكاك العرب بالغرب واطلاعهم على ثقافاتهم المختلفة ومن بينها المسرح تحديدا نجد أنهم انبهروا به وترجموا العديد من روائعه ، ولم يتوقفوا عند هذا بل وحاولوا إيجاد موضوعات تصلح للمسرح العربي ومستقاة من تاريخنا العريق وحضاراتنا المتنوعة ، وبرعوا فيها وأضافوا لها وعلى رأس هؤلاء أمير الشعراء أحمد شوقي الذي يعد رائدا في هذا المجال الأدبي ، حيث قدم العديد من المسرحيات الشعرية الكلاسيكية والتي تتناسب وذائقته الأدبية العريقة الميالة إلى الكلاسيكية الجديدة وأهمها :

” مصرع كيلوبترا ” و ” مجنون ليلى ” و” أميرة الأندلس ” و ” قمبيز ” وتبعه عزيز أباظه وسار على نفس الوتيرة فقدم مسرحياته في صيغة الشعر العمودي واستقاها من التاريخ العربي وكذلك فعل علي أحمد باكثير وغيرهم كثير ..

   ويمكننا أن نقول أن هذه الفترة التي بدأ المثقف العربي يطّلع فيها على روائع المسرح العالمي القديمة ومحاولات الرواد السابقين هي المرحلة الأولى من مراحل تطور كبيرة مر بها المسرح الشعري العربي على مدار قرن ونصف من الزمان …أما المرحلة الثانية فهي المرحلة التي سطع فيها نجم الشعر الحر ( التفعيلة تحديدا ) وأثبت فيها شعراء عظماء من أمثال عبد الرحمن الشرقاوي قدرة العربية بكافة أشكالها الشعرية على العطاء والتطور ؛ فقدم لنا مسرحه العديد من الروائع مثل : “الحسين ثائرا ” و ” الحسين شهيدا ” و ” الفتى مهران ” و ” أحمد عرابي ” وغيرها وينضم إليه أمير المسرح الشعري الحديث الرائع ” صلاح عبد الصبور” ليصل المسرح الشعري العربي إلى قمة النضج والتطور في استخدام التقنيات الكتابية ، والتنوع في الموضوعات المطروحة وطرق معالجتها ،فيقدم لنا ” مأساة الحلاج ” و ” مسافر ليل ” و ” الأميرة تنتظر” و” بعد أن يموت الملك” وغيرها حيث استمر المسرح العربي يقدم هذه المسرحيات لفترة طويلة من شدة جودتها وتعاطي الجماهير ( النظارة ) من عشاق المسرح معها … وفي مرحلة متأخرة نجد مسرحيات نجيب سرور وفاروق جويدة الهادفة ، عالية الجودة ….. ثم بدأ نجم المسرح والاهتمام به في الخفوت منذ التسعينات تقريبا لأسباب متعددة ليس هنا مجال التفصيل لها… 

    لكن الذي يجب أن نؤكد عليه هو أن عملية تأليف مسرحية شعرية هي أمر صعب فهي بالإضافة إلى توفر الموهبة بحاجة إلى ضوابط معينة ورؤية كلية واضحة بحيث يصبح فيها الشعر- الذي هو قالب العمل الدرامي في المسرحية – نسيجا متماسكا متصل الأجزاء مترابط الأفكار يدور حول فكرة رئيسة واحدة ، وهذا السبب في رأيي هو السبب الرئيس في تراجع المسرح الشعري في العقود الأخيرة بالإضافة إلى قلة وجود الممثلين من المبدعين المتمكنين من اللغة العربية الفصيحة والقدرة على إلقاء الشعر بتمكن على خشبة المسرح وندرة المخرجين البارعين الذين يمتلكون رؤية خاصة بكيفية إخراج المسرحيات الشعرية على خشبة المسرح في أبهى صورها … وإذا أضفنا لما سبق ذلك التغير الذي أصاب الذائقة الجماهيرية والهبوط إلى مستويات متدنية تعلي من شأن التفاهات كــ ” المهرجانات ” ، واختفاء الطبقة المثقفة الواعية والمدركة لقيمة الأعمال المسرحية ومدى ثرائها من أبناء الشعب، ندرك مدى المعضلة التي يعاني منها المسرح الشعري في هذا الوقت …

  في وقت لم يعد المتلقي العادي ( رجل الشارع ) يهتم فيه بالشعر بشكل عام والفصيح منه بشكل خاص والعمودي بشكل أكثر خصوصية تطل علينا الشاعرة ريهان القمري بهذا المحتوى المتميز من الشعر المسرحي في قالب من الشعر العمودي ، وكأنها تريد الانتصار لقدرة اللغة العربية على التعاطي مع الأحداث على مر العصور من جهة ، وقدرة الشعر العمودي تحديدا على الاستمرار والعطاء من جهة أخرى …

   يتزامن إصدار هذا العمل القيّم مع الأحداث التي يمر بها إخواننا في أرض الرباط في مدينة العزة ” غزة “حيث كانت الأحداث دافعا قويا ومحفزا لإطلاق الشرارة التي ساعدت على إنهائه في صورة طيبة بعد اختماره في مخيلتة الشاعرة فترة من الزمن كما اشارت لذلك الدكتورة وجيهة السطل في مقدمتها لمسرحية ” أوليفيا “… ورغم صعوبة خلق حوار متنامي الأحداث في قالب من الشعر العمودي إلا أن الشاعرة استطاعت بسلاسة الشاعر المتمرس ورهافة حسه وتمكنه من أدواته خلق هذا الحوار الدرامي الذي يسلط الأضواء على قضية الصراع  الأزلي بين الحق والباطل ، بين الخير والشر ، بين صاحب الأرض واللص المغتصب ….

الأول : النص المسرحي الدرامي الشعري

الثاني : القصيد المسرحي أو الشعر المسرحي

   الأول منهما يعتمد بشكل أساسي على مقومات حركة الدراما التي يستخدمها كتاب المسرح العادي غير الشعري مضيفين لها شيئا من الشعر ، أي أن الشعر لا يشكل النسيج الأساسي لمتن المسرحية المعروضة وإنما هو بمثابة الحلية التي تتخلله بين فينة وأخرى …

  أما الثاني فهو نص شعري في أساسه وقد يغفل بعض مقومات الدراما المسرحية لصالح الشكل الذي يقترب بشدة من الشكل الملحمي الذي هو أصل المسرح الشعري عند الإغريق ، فنحن نجد في هذا النوع من النصوص الرواه أو الجوقة ( الكورس) وهم الأساس أيضا ، كما يشترط  وجود نوع من أنواع التفاعل الديناميكي بين الشخصيات الرئيسة في المسرحية وأن يؤدي هذا التفاعل إلى تنامي الأحداث داخل العمل ( بداية – عقدة أو ذروة الحدث – الحل أو النهاية )

  والمسرحية التي بين أيدينا تنتمي للمصطلح الثاني حيث قدمت الشاعرة موضوعها في قالب شعري كامل مكون من 381 بيتا من الشعر العمودي المنظوم على نغمات بحر الرمل الغنائي والمتناسب جدا مع أجواء المسرحية ، لم يتخلله شيء من الجمل النثرية  ما عدا مقدمة الفصل الثالث ، والجمل القصيرة التي يقصد منها شرح هيئة ما أو فعلا ما يتوجب على الممثل على خشبة المسرح أن يقوم به ، وعلى القارىء أن يتخيله في ( مسرح الذهن ) خاصته … وهذه الجمل التي سبقت الفصل الثالث ليست جزءا من المسرحية  إذا عرضت على خشبة المسرح بقدر ما هي إيماء أو توضيح ضروري لإزالة أي لبس قد يحدث في مخيلة أو ذهن القارىء للنص ، وبمثابة تهيئة نفسية تساعد الجمهور ( النظارة الذهنيين ) على الفهم والتفاعل مع المشاهد القادمة  … ولم تعتنِ الشاعرة بشرح هيئات الشخصيات أو خلفيات المناظر وغير ذلك من الجوانب التي يعتني بها كثير من الشعراء والكتاب في مسرحياتهم واكتفت بالتركيز على تكثيف الأحداث  وشحنها بالعديد من الرموز والتعبيرات ذات الإيحاءات المقصودة ….

 أما وحدة المكان فقد تحققت في رأيي من منظور عصريبعيد عن اشتراطات الكلاسيكية الإغريقية ؛ فالأحداث تدور بالكامل في قصر المُلك ، والقبو الذي سنكتشف أن ( أرنستو) زوج الأميرة (أوليفيا ) محبوس فيه لعقود من الزمان جزء من القصر، والحديقة التي ستعثر فيها (أوليفيا) على قبر أبيها الملك هو جزء من حيز القصر المحاط بالأسوار بطبيعة الحال ، والمسرح الحديث بتقنياته المتطورة قادر على عرض هذه المشاهد بسهولة …..أما وحدة الزمان فالأصل أن تكون جزءا من نهار أو ليل وأن لا تتعدى ال24 ساعة وفقا للكلاسيكيين من الإغريق القدماء أو مذهب أرسطو تحديدا مع التأكيد على أنه تحدث بوضوح عن وحدة الموضوع أكثر من تناوله للوحدتين الأخريين في كتابه عن الشعر….

      لكن الحدث هنا هو صراع طويل بين الحق والباطل وإذا عرفنا أن القصة برمتها هي معادل موضوعي لقضية الشعب الفلسطيني واغتصاب أرضه ومقدراته وحرمانه من تقرير مصيره سندرك مقدار الوقت الذي اتخذه هذا الصراع الأزلي الدائر وهو يزيد عن السبعة عقود على أرض الواقع وفي موضوع المسرحية كان الزمن محددا بعمر (إيرين ) وتوأمها ( إيليا ) حيث وصلت عملية السلام التي يرمز لها اسم ( إيرين ) إلى نفق مسدود فيقتله (مايير ) أو ( مائير ) الذي يرمز للاحتلال الغاشم  ويقدم على جرح ( إيليا ) الذي يرمز للجيل الواعي من أبناء شعب الحجارة ، فالزمن هنا محدد  ومتناسب مع حجم القضية التي تعرضها الشاعرة في إطار ملحمي …إنها القضية التي يعرف كل ضمير حي أنها قضية القضايا الكبرى لأنها تصور الصراع الأزلي بين قوى الظلام وقوى النور ، ونهايتها هي نهاية الحياة على الأرض بدون مبالغة ،حيث سيبدأ يوم الحساب في نفس الأرض التي يدور الصراع فوقها حاليا ، فهي أرض المحشر ” يوم يناد المناد من مكان قريب “

     وبشكل آخر تستوحي الشاعرة أسماء ذات دالات قديمة من الميثولوجيا الإغريقية فــ ( إيرين ) هي إلهة السلام والوئام  و ( أوليفيا ) اسم يحمل مقدارا عاليا من القدسية لارتباطه بشجرة الزيتون رمز الصمود والخصب والنماء والنية الحسنة ، ويحفظ التاريخ لنا في مواضع عدة أسطورة غصن الزيتون الذي عادت به الحمامة وقدماها ملطختان بالطين إلى سيدنا نوح عليه السلام ليعرف بذلك أن الأرض قد ابتلعت الماء وانتهت محنة الطوفان ، وغير ذلك من الرموز التي سيأتي تفصيل القول فيها لاحقا .. والمعروف أن المسرح الكلاسيكي القديم كان يستقي مادته الشعرية من الأساطير القديمة التي زخرت بها الملاحم ، ويكون الأبطال فيها آلهة أو نصف آلهة  ….

     كل ما سبق يجعلنا نذهب إلى القول بأن الشاعرة كلاسيكية الاتجاه في هذه المسرحية بل وأقرب ما يكون إلى الكلاسيكية الإغريقية … وسأقول كلا … إنها كلاسيكية جديدة شديدة القرب من كلاسيكية شوقي الذي أخذ من الكلاسيكية القديمة ما يناسب ذائقة الشاعر الفذ لديه وما يناسب المسرح الجديد الذي سيعرض أعماله عليه ( المسرح الشعري العربي ) … وإذا أمعنا النظر بعد القراءة الثانية للمسرحية سنكتشف أنها تحمل أيضا عصرية مسرح صلاح عبد الصبور في جوهرها أي أنها تجمع بين مميزات المسرحين ، فلو كانت الشاعرة كلاسيكية الاتجاه تماما لاستخدمت الجوقة أو الكورس ولكنها عمدت إلى ما عمد إليه صلاح عبد الصبور ومن قبله أحمد شوقي من استخدام راوٍ واحد “للتعليق عن الحدث الدرامي أو الإعلان عن بعض أجزائه التي يمكن أن تختصر فترة طويلة من زمن المسرحية .”ومثال ذلك قول الشاعرة بلسان الراوي في بداية المشهد الثاني من الفصل الثاني للمسرحية  :

في صباح من صباحات دنتْ

شمسها قبل شروق للمساء

صاح ( إيليا ) و( إيرين ) جرت

خلفه في ضحكة تروي الفِناءْ

إلقفي (إيرين) هذي كرة

بعدها طيري ورائي للفضاء

فجأةً تجري بعيداً عنهما

تلتقي ( مايير ) مثل الكهرباءْ

تضرب الرأس فتغلي نارها

كالبراكين وتسري في الدماء 

فالراوي هنا اختصر فترة كبيرة من الزمن كبر فيها الصغيران وكبر معهما حقد ( مايير ) وكرهه لهما كما تعكس ذلك إيماءات الراوي ، ويعلق الدكتور مراد عباس على ذلك في معرض حديثه عن تأثر صلاح عبد الصبور بالمسرح الملحمي قائلا : ” والراوي بذلك يسد الفجوات الكبيرة الفاصلة بين أجزاء الرواية في المكان والزمان ، بإشاراته إليها وتعليقه عليها ، كما يقطع الحدث الأساسي في المواضع التي يختارها .”  ونلاحظ أن عملية ظهور الراوي في بداية المشهد يتكرر مع بدء الأحداث في التنامي والوصول إلى ذروتها في المسرحية في فصليها الأخيرين أكثر من الأول مما يؤكد على فكرة اختصار الوقت والأحداث الثانوية ..

    فمثلا في نهاية المشهد الرابع من الفصل الثاني تختصر الشاعرة لحظات القبض على ( أوليفيا) وابنها ( إيليا ) ومحاولة تخليص الابن لوالدته ، وسعادة (بانثر) بالقبض عليهما وحسن تصرف فيكتور – المتعاطف سرا معهما – وإقناعهما بالانصياع ونزول القبو في هدوء ، كل هذا في ثلاثة أبيات من الشعر فقط على لسان الراوي :

(بانثرُ )المؤذي يلبي مسرعا 

شدّ (أوليفيا )وبالأقفال جاء

هبّ ( إيليا) مجيرا أمه

(فيكتورُ) العاقل يجري في ذكاء

حبسا الإثنين في قبو الدجى 

فصلا بينهما للانتهاء

ولكن (راوي )ريهان القمري لا يشرك جمهوره في الأحداث كما فعل صلاح عبد الصبور في رائعتيه ” بعد أن يموت الملك “و” مسافر  ليل ”  ولم يتخل عن طابع الشعر إلى بعض التعليقات السردية المدسوسة بدقة في نسيج العمل … ولو فعلت – في رأيي المتواضع – لزاد المسرحية ثراء على ثرائها فإشراك الجمهور في الأحداث سيزيد من متعة المشاهدة والمتابعة بالنسبة للنظارة ويساعدهم على اكتشاف الدلالات التي تثيرها الرموز المكثفة التي تتخلل النص وبخاصة لو جعلته يخرج على الجمهور محدثا إياهم عن كنه شخصيتي ( بانثر ) و ( فيكتور ) في بداية الفصل الثالث المحيرتين طوال الفصلين السابقين وغير ذلك …

    والقارىء ( المتلقي ) في داخلي يشعر بوجود تشابه في فكرة الموضوع بين الشاعرة وبين صلاح عبد الصبور، وهي فكرة وجود أميرة حائرة أو واقعة في شرك ما وبالتحديد في موضوع مسرحية ” الأميرة تنتظر” وهو موضوع ذو أصول تراثية شعبية  الأميرة فيه أقدمت على خيانة أبيها على أمل الزواج بالمغتصب لحصن والدها وكان جزاؤها القتل علي يديه ، بينما أميرة صلاح عبد الصبور لم تكن أميرة وكانت في حيرة وانتظار دائم ، ولهذا لم يستطع الحارس قتلها فهي هنا رمز للدولة وليست إنسانا فقد استخدم صلاح عبد الصبور هذه القصة ليسقط عليها أفكاره ورسالته إلى المجتمع ، وكذلك فعلت شاعرتنا فالأميرة لم تكن إنسانا ولكنها رمز كبير جدا ، وأعني بكبير جدا أنها ترمز للأرض والشعب والقضية المثارة برمتها ،وهي لم تكن خائنة ولكن مقهورة ومغلوبة على أمرها لأن زوجها ” أرنستو ” رمز المقاومة كما سيأتي كان غائبا أو مختفيا ، فاعتقد العدو أنه بزواجه المزيف منها سيقهرها ويحتل القصر ويمتلكه ونسي أنها أيضا أي أوليفيا هي رمز للخصب والنماء ؛ فأنجبت أبناءها من زوجها الحقيقي واستمر النسل في التواجد ، وهكذا أصبحت مهمة الاستئثار بملكية القصر صعبة ومستعصية عليه وعلى عمته ” صوفي “…

  ومن أهم التقنيات التي استخدمتها الشاعرة تقنية الرموز ذات الايحاءات والدلالات المكثفة وهي هنا شديدة الشبه أيضا بمسرح صلاح عبد الصبور العصري الذي يعلي من قيمة الرمز ويربط بينه وبين الشاعرية ويرى أن المسرح الشعري القائم على استخدام الرمز  :” ليس هو عالم اللحظات السريعة المنفرطة العادية ، ولكنه عالم اللحظات المكثفة الغنية .” …. ولأن هذه التقنية تحديدا من أهم ما يميز مسرحية ” أوليفيا “سندرسها تحت عنوان منفصل :

 استطاعت الشاعرة أن تقدم لنا في هذه المسرحية مجموعة كبيرة من الرموز ذات أبعاد  مقصودة ودلالات مكثفة وجميعها يصب في فكرة واحدة وتعالج موضوعا أساسيا واحدا ، وهو الصراع بين الحق والباطل وتؤكد في نهاية المسرحية على انتصار الحق على الباطل مهما طال الزمن ومهما بلغت التضحيات ، والمسرحية برمتها كما ذكرت سابقا هي معادل موضوعي للقضية الفلسطينية وأول وأهم الرموز والتقنيات العصرية التي ستساعد الجمهور على فهم الأحداث الثانوية الدائرة في نسيج المسرحية نجدها في العنوان ” أوليفيا ” والعنوان الفرعي ” أرض الزيتون ” على غلاف باللون الأزرق الموشح باللون الأخضر ( كلون أشجار الزيتون ) حيث تقف في منتصفه فتاة يعلو وجهها نظرات الترقب والانتظار المضني  في ثوب أخضر كأغصان الزيتون ، وهي تقف في غرفة مظلمة أمام نافذة يتخللها ضوء خافت .. إنه ضوء الفجر .. فجر الحرية التي طال انتظارها ، والعنوان الفرعي ( أرض الزيتون ) يهدف إلى لفت نظر القارىء إلى القصة الحقيقية داخل هذه القصة الخيالية ؛ فوظيفة العنوان الفرعي هي تقديم تعريف أكثر شمولا ودقة  …

      وهذه العادة في التنبيه ليست بدعة فقد كان مؤلفو المسرحيات في العصور الوسطى يطلبون من جماهيرهم في بعض الأحيان العودة إلى قصة أو أسطورة بعينها حتى لا يستغلق على أفهامهم شيء أثناء مشاهدة المسرحية ، أما الإغريق القدماء فلم يكونوا بحاجة إلى مثل هذه التنبيهات فقد كانوا يعايشون أجواء الأساطير ويحفظون قصص الآلهة ومغامراتهم بفضل الملاحم والموروثات الدينية فلم يكونوا بحاجة إلى التنبيه إلى ما يعرفون خلاصته مسبقا …

وبطلة المسرحية هنا هي امرأة ، والمرأة ترمز دائما للخصب والنماء والقدرة على الاستمرارية فأرض فلسطين رغم التنكيل والقهر والتضييق لم تتوقف عن إنجاب الأحرار من الفدائيين والمقاومين المؤمنين بعدالة قضيتهم ….وشجرة الزيتون التي تحمل اسمها بطلة العمل هي رمز للصمود والثبات والتجذر فأشجار الزيتون من الأشجار المعمرة في العالم ، وإذا أضفنا لها تلك الهالة من القدسية التي تحيط بها لذكرها في القرآن الكريم والكتب السماوية ورمزية غصنها للسلام وبشارة الأمل كما ذكر في الأسطورة ندرك مدى كثافة هذا الرمز ودلالاته المتعددة وبراعة الشاعرة في اختيار الاسم الذي تحول إلى أيقونة عالمية ترمز للصراع الأزلي بين الخير والشر … 

   ومن الرموز التي تجعل القارىء في حيرة هو ما يرمز إليه شخصية ” أرنستو ” زوج ” أوليفيا ” مع ملاحظة أن الشاعرة لم تختر لشخوص مسرحيتها أسماء عربية مثلا على اعتبار أنها قصة خيالية موحية بلغة عربية فصيحة … في البداية اعتقدت أن هذا مناسبا لقصص العصور الوسطى وحكايات الأميرات والنبيلات خاصة وأن المسرح الإغريقي يشترط وجود آلهة أو أنصاف آلهة ، ولكن الدلالات التي ستتكشف تدريجيا ونحن نقرأ المسرحية سترفع الستار عن هذا السبب الذي حدا بالشاعرة لاستخدام هذه الأسماء الأجنبية  دون غيرها … فــ ” أرنستو ” يذكّر أمثالي برمز الثورة والمقاومة العالمي ” أرنستو تشي جيفارا” فأرنستو رمز للمقاومة التي تدافع عن الأرض وتصد المعتدي وتطرد المغتصب ، أما الكاهن ” آرثر ” فهو ” آرثر جيمس بلفور ” السياسي البريطاني الذي وعد اليهود بامتلاك أرض فلسطين كوطن لهم واتفق مع عائلة ” روتشيلد ” الشهيرة التي أسسها ” مايير أمشيل روتشيلد ” المصرفي اليهودي الشهير وابناؤه الخمسة وهنا يتكشف لنا إلام يرمز اسم ” مايير ” تحديدا فهو لا يرمز إلى الصهاينة فقط بل يعيدنا إلى جذر المأساة وبدايتها وهو هنا يرمز للكيان الصهيوني برمته ، وأما ” إيرين “فهي ليست إنسانا ولا دولة ولا ملاكا حتى ، فهي في الميثولوجيا الإغريقية إلهة ترمز للسلام والوئام ، وفي المسرحية يقتل ” مايير ” ” إيرين ” بعد استحواذه عليها بالقهر أي أنه قتل فرص السلام ليستبد بالمكان وما فيه لنفسه … وأما ” فيكتور” ابن الخال فمن معنى الاسم هو رمز للنصر عبر تقديم الإعانة والمساعدة من الأشقاء وأهل العقيدة وهم قلة وخائفون قليلا لكنهم يعرفون الحقيقة .. أما ” بانثر ” ومعناه الفهد وهو عكس معنى الاسم تماما ، فهو رمز لشخصية حقيقية هي بالفعل ( شقيق ) لـ ” أرنستو ” المقاوم ولكنها على النقيض منه ، تدعي القوة والموضوعية والقدرة على التعامل وترفع شعار الديمقراطية ، لكنها في الحقيقة مستكينة خانعة للعدو وواهنة ..خاضعة لرغباته ، ومنفذة لأوامره اعتقادا منها أن في هذا السلامة ،  ومتشفية نتيجة لأحقاد قديمة لم يردعها الحدث الجلل لتتناسها ، وسأترك للقارىء الملم بأحداث القضية مهمة إزاحة الستار عن كنهها … أما ” صوفي” فهي رمز للكيان العالمي الذي يحاول السيطرة على جميع أنحاء العالم بالقوة والإكراه ” الولايات المتحدة ” .. أما ” إيليا ” توأم ” إيرين ” فهو رمز للنبي “إلياس ” صانع المعجزات وقد ورد ذكره في سفر الملوك  في العهد القديم وهو يرمز للتحدي والصمود والإقدام لأنه رفض عبادة الإله الكنعاني “بعل” وهو في المسرحية رمز لأطفال الحجارة والفدائيين الصامدين … وهناك العديد من الرموز الثانوية التي تكثف الأحداث وتبث الأفكار وتساعد على وضوح الرؤية وتختصر صفحات كبيرة جدا من السرد وتعكس ذكاء الشاعرة في التعامل مع أداتها الأثيرة ( الشعر العمودي ) فالشعر ميال للإيجاز والتركيز على عكس السرد  ومن ذلك لفظ ” كومبرادور ” وهو معرب عن (Comprador ) وهو مصطلح سياسي يرمز إلى البرجوازية وسيطرة رأس المال على جميع أنواع التعاملات ، يقول( مايير ) مفتخرا بكونه ليس كومبرادورا عاديا وأنه يخضع الجميع لرغباته مستغلا ضعفهم وتفرقهم :

بشتاتٍ بينهم يدنو الرجا

يتركون الصّيدَ يأتيني عشاءْ

ليسَ مثلي ( كومبرادورٌ ) أتى

تاجَ ملكٍ آسراً عرش الفضاءْ

ليس مثلي ( كومبرادور ) رأى

نورُه البدرُ كشمسٍ في السماءْ

أصنعُ الأفلاك درباً للورى

فيطوفون بأمري في عراءْ

جائلين الكون في أطماعهم

عابدين الوهمَ مثل الأغبياءْ 

فاللفظ ( كومبرادور ) لخص لنا فكرة سيطرة آل روتشيلد واستغلال نفوذهم المالي لعقد صفقة مع رمز الانتداب البريطاني ( الكاهن آرثر ) برعاية العمة ( صوفي ) وحمايتها لشراء ملكية القصر (أرض الزيتون ) بصك باطل = زواج باطل من الأميرة ( الأرض المغتصبة ) …

أما الأساطير المنسوجة حول ما يسمى بـ ( أرض الميعاد ) عند اليهود  فهي المبرر الذي يدعون به أحقيتهم في ملكية أراض عربية بعينها  وقد كثفت الشاعرة الحديث عنها في هذين البيتين : 

وانظري ذا القسّ ( آرثر ) ينحني

رددي السّفرَ خُروجاً وانحناءْ

صوتُه الرّنانُ نادى فاسمعي

وعدُ حقٍّ من وعود الأنبياءْ 

وفي الأبيات إشارة إلى ( سفر الخروج ) حيث وردت فيه قصة سيدنا موسى وقومه وخروجهم من مصر إلى الأرض المقدسة ( أرض الميعاد ) كما يعتقدون ، فترد أوليفيا على ادعاء مايير بما يحيلنا إلى كل ما ورد عن حقائق اليهود من الكذب والتحريف والادعاءات قديما وحقيقة تخليهم عن وعد السماء عندما قالوا : ” قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ” () والنتيجة أنها حرِّمت عليهم وعاشوا في التيه  أربعين سنة  ” قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض “، كل هذا وأكثر يمكننا فهمه من بيتين اثنين من الشعر وهذا ما أسميه بتعاضد الرمز والتكثيف سوية :

( آرثر ) المختلُّ هذا كاذبٌ 

نصفُ حبرٍ من يهودٍ أغبياءْ

رفضوا العهد قديما فامّحواْ

كذّبوا العهد حديثا في الخفاء 

و الأمثلة على هذه التقنية ( تعاضد الرمز مع التكثيف ) كثيرة في المسرحية وهي تقنية ممتازة تحل الكثير من المشاكل الكتابية التي قد تعترض المؤلف لهذا النوع من التأليف الصعب …    

    تدور أحداث المسرحية حول إجبار أميرة اختفى أبوها الملك وزوجها أرنستو في ظروف غامضة على الزواج بالإكراه من المغتصب لقصرها وملك أبيها ” مايير ” بمباركة قس كاذب ومحتال ” آرثر ” وبمباركة العمة ” صوفي ” الطامعة هي أخرى فيما ليس لها ، ولكن يفاجأ ” مايير ” بخبر حمل ” أوليفيا ” من زوجها ورغم ذلك تدعمه ” صوفي ” المتغطرسة وتمنيه باقتراب تحقيق هدفه الذي يرمي إليه منذ زمن بعيد ؛ فامتلاك ” أوليفيا ” بعقد زفاف مزور سيمكنه من البقاء في القصر ريثما يعثر على ما يوطد له كذبته وادعاءه حول أحقيته في امتلاك القصر وهو  خاتم الملك ويمر الوقت وتنجب أوليفيا توأما هما ( إيرين وإيليا ) وتبدأ الأحداث بالتنامي والتصاعد فيغتصب ” مايير ” “إيرين ” ويقتلها ويحاول إيليا الانتقام منه ولكن مايير سيجرحه ويهدده ، ثم تكتشف أوليفيا وهي تدفن ابنتها في حديقة القصر رفات والدها الملك وتعرف أن مايير قام بقتله وتعثر وإيليا على خاتم الملك المخبأ في قطعه من الحديد وليس الذهب على سبيل التمويه ولكن صوفي ومايير ينتبهان لهذا الحدث الجلل ويقرر مايير إلقاء أوليفيا وابنها في قبو القصر ريثما يتخلص منهما بواسطة بانثر شقيق أرنستو الخائن وهنا يظهر فيكتور القريب المناصر في السر والمساند لأوليفيا وحقها فيخبرها بحقيقة وجود أرنستو في القبو لعقود من الزمن ، وتنتهي الأحداث بمقتل مايير المغتصب على يد الثائر أرنستو والخائن بانثر على يد ابن الخال الوفي فيكتور وتعود ملكية القصر لأصحابه  وهكذا تسكن روح إيرين التي روت دماءها أرض القصر…

   وموضوع المسرحية هو معادل موضوعي للقضية الفلسطينية وإسقاط على الأحداث الكثيرة التي منيت بها المقاومة ومأساة الشعب الفلسطيني وأحداث النكبة التي أجبروا فيها على مغادرة أراضيهم ، وتخلي إخوانهم المحيطين بهم عنهم والخوف من هيمنة العمة ” صوفي ” وبطشها ، كما تناقش المسرحية أهداف الصهاينة المستوحاه من أساطيرهم الكاذبة وحلمهم بهدم بناء المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم بدلا منه وربما كان القصر يرمز هنا للمسجد الأقصى …

جميع شخصيات هذه المسرحية رموز ذات دلالات متعددة وتؤدي وظيفة محددة في مخيلة الشاعرة :

  –  فأوليفيا بطلة المسرحية امرأة ، والمرأة هي رمز للخصب والنماء ، وهي أميرة من سلالة نبيلة للدلالة على الأصل العريق ، وإذا أضفنا العنوان الفرعي ( أرض الزيتون ) اتضحت الرؤية أكثر ، فالأميرة ليست إنسانا وإنما دولة وأرض مغتصبة هي ” فلسطين ” والقصر ما هو إلا المسجد الأقصى رمز فلسطين وأشهر معالمها المقدسة الكثيرة …

   – أما مايير فهو اسم لإنسان حقيقي وقد سبق التفصيل لأصل الاسم ، والشاعرة فيما أعتقد تريد الإشارة به إلى الكيان الصهيوني المغتصب والذي أسست له أموال عائلة ” مايير روتشيلد ” بالاتفاق مع ” آرثر بلفور” القس الفاسد … 

– وأرنستو زوج أوليفيا هو رمز للمقاومة الفلسطينية بكافة أطيافها وليس شخصا واحدا ، والرمز مستوحا من شخصية الثائر العالمي الشهير ” تشي جيفارا “

– صوفي : اسم لامرأة جشعة وعاشقة للسلطة والتحكم بالآخرين ، وما هي بامرأة أيضا وإنما رمز لهيمنة ” الولايات المتحدة ” على العالم ومحاولتها إحكام القبضة على الجميع..

– إيليا : ابن أوليفيا وأرنستو وقد سبق التفصيل لرمزيته ، فهو أيضا لا يدل على شخص واحد وإنما رمز لأطفال الحجارة الصامدين الرافضين للخضوع لعربدة العدو الغاشم …

– إيرين : ليست فتاة وإنما رمز للسلام الذي استأثر به اليهود لأنفسهم وقتلوه مع الفلسطينين..

– فيكتور : من أكثر الرموز المحيرة في المسرحية ، من هو ؟!! أو من هم ؟!! ولكنه فيما أعتقد رمز معنوي لفكرة النصر وعون الأصدقاء … ومن ترجمة الاسم إلى العربية فكلمة النصر تعني ” Victory ” والنصر هنا حليف أصحاب الحق وينتظر الفرصة الملائمة لإعادة الحق لأهله مع قليل من التضحية واستغلال الفرص..

– بانثر : شقيق أرنستو لكنه كما سبق عكس ما يعنيه الاسم وهو رمز لكل من قبل على نفسه مهادنة الاحتلال والقبول بذله وهيمنته في مقابل القليل من العيش الذليل….

    يبدأ الحدث الرئيس في هذه المسرحية بمشهد الزفاف الزائف الذي يعرض له الراوي في إشارة إلى بداية مأساة الشعب الفلسطيني واغتصاب أرضه عبر ما يسمى تاريخيا بـ ” وعد بلفور ” وحبس أرنسو وإقصائه عن زوجته دون علمها بالقوة ، وتبدأ وتيرة الصراع حول الحق المغتصب بالتعالي بعد اكتشاف مايير وعمته ” صوفي ” أمر حمل أوليفيا فتطلب منه المهادنة في سبيل الحصول على ما يعضد زعمهم في ملكية القصر تمهيدا لهدمه وإعادة بنائه ، ويصل الصراع إلى ذروته مع اغتصاب مايير لإيرين ( رمز السلام ) وسلبها روحها وترتفع وتيرة الرفض ومحاولة الردع من أخيها إيليا لينتقم لها ، لكنه يصاب بسكين مايير ويساعد والدته على دفن أخته في حديقة القصر فتفاجأ بوجود بجثة والدها وخاتم الملك الحديدي في يده وهو بمثابة صك الملكية ، وهنا ترتفع وتيرة الأحداث مرة أخرى أكثر وأكثر فينقض عليهما كل من مايير وصوفي لسرقة الخاتم لانتزاع ملكية القصر ، ويأمران بانثر ( الخائن ) بحبسهما في القبو ، وهناك في القبو تبدأ السماء بالترتيب لإعادة الحق لأصحابه بمساعدة فيكتور (رمز النصر ) وتلتقي أوليفيا بزوجها وتقص عليه قصتها ، وتنتهي المسرحية بالحل المثالي والعادل وهو القصاص من كل من مايير وبانثر وعودة القصر لأصحابه الأصليين وهي نهاية تعكس يقين المؤلفة وثقتها بوعد الله جل وعلا …

     لقد قدمت لنا الشاعرة  مسرحية ذات حبكة درامية عالية يؤازرها صياغة شعرية عالية الجودة رغم قيود القافية التي اضطرتها في أحيان كثيرة لتكرار بعض الألفاظ نزولا عند رغبة القافية في الضبط كمثل ( مساء ، الأغبياء ، إباء ، الدماء …) ولكن هذا لا يقلل من قيمة الجهد المبذول لخلق حوار درامي مؤثر ومكثف ومعبر في أقل الأبيات – كما سبق – عن الكثير والكثير من المشاهد والأحداث في المسرحية ، ولم تسمح الشاعرة للراوي بالظهور الطاغي وتركت للحوار المتنامي بين الشخصيات مهمة الكشف عن حيثيات الصراع الدائر في ما بينها وإبراز طبيعته …واستخدمت العديد من الألفاظ التي تحيلنا إلى قصة بعينها أو فكرة بعينها واختصرت مسافة كبيرة من التاريخ عمرها يزيد على السبعة عقود ، بل وتعيدنا إلى بعض الاساطير التي صاغها الصهاينة في توراتهم … 

    وهي ترسم الشخصيات في مسرحيتها أيضا عبر الحوار فتجعله يكشف عن خبايا النفس ورداءتها وخبثها كما هو الحال في اعترافات مايير لأوليفيا واعترافات بانثر لأوليفيا وفيكتور ، كما تنقل لنا ذاك الصراع الداخلي الدائر في أعماق أوليفيا المقهورة والمغلوبة على أمرها والغاضبة من أهلها عبر المونولوج الداخلي فتقول في مشهد ( مخاض ) وهي تعاني من الإغماء :

ها أنا تمشي الهوينى رجفتي

تداعى بين ذل وإباء

بعد ذبح الروح مني ترتجي

من بقاياها صمودا للعزاء

ودمائي بين أهلي حقُّها

يسألُ الثأرَ بأيدي الشرفاء

قالَ ( أرنستو )حبيبي مرّةً

إنّ في الموتِ حياةٌ ونقاءْ

ذاكَ جثماني فكيف المنتهى؟

يتركُ الآلام من دون شفاءْ!!!

هذه النارُ ببطني جمْرها

يحرقُ العظم ويسري في الدماءْ

هل أنا في برزخٍ أم مأتمٍ؟

لا أرى إلا سريراً ودواءْ !!

وتنقل لنا مشاهد اللعب بين التوأمين ومرحهما وبراءتهما في مقابل فظاظة مايير الغاشم أيضا عبر الحوار الدرامي المتنامي والصاعد بالأحداث ….  وهي مشاهد تعكس مدى تحكم الشاعرة وتمكنها من أداة التعبير الرئيسة لديها وهي الشعر …

  تجمع هذه المسرحية في بنائها بين كلاسيكية أحمد شوقي وعصرية صلاح عبد الصبور فمن حيث الشكل صاغتها الشاعرة في قالب من الدراما الشعرية المتينة بفضل جزالة ألفاظ الشعر العمودي وقابلية بحر الرمل للتعاطي مع الأحداث المتنامية صعودا وهبوطا ، وقد قسمتها إلى ثلاثة فصول يسبقها استهلال على عادة الكلاسيكين القدماء من الإغريق وفي داخل كل فصل أربعة مشاهد لكل منها عنوان يساعد القارىء في مسرحه الذهني على استشراف مستقبل الأحداث والعناوين تم اختيارها بعناية وربما عدد المشاهد أيضا فهي اثنتا عشر مشهدا كعدد أشهر السنة وربما كان في ذلك إشارة إلى الزمن فآخر مشهد يحمل عنوان ” الخلاص ” ونهاية كل عام يعقبها بداية عام جديد … 

   والراوي في هذه المسرحية يؤدي دورا كبيرا وقد تعاملت معه الشاعرة بحذر فلم تشركه في الأحداث بقدر ما استفادت من تعليقاته الرمزية المكثفة في اختصار مسافات كبيرة ومساحات أكبر من المعلومات والأحداث 

      وقد التزمت الشاعرة بوحدة الموضوع وبروز صراع متنامي بين طرفين أحدهما معتد والآخر صاحب حق وقد انتهى الصراع بنهاية حتمية وهي انتصار الحق على الباطل مهما طال الزمن وتمادى الباطل .. واستخدمت قصة خيالية برموز مكثفة وموحية تبدو في ظاهرها كدراما اجتماعية لكنها في الحقيقة تعالج قضية سياسية من أهم القضايا في العصر الحديث وهي ” القضية الفلسطينية ” وهي هنا شديدة القرب من أسلوب صلاح عبد الصبور في معالجة القضايا في مسرحه الشعري  ….

وفيما يتعلق بالإرشادات المسرحية فلم تعتن الشاعرة كثيرا بتفصيلاتها ربما لاهتمامها بمتن المسرحية والقضية التي يعالجها وهذا لا يقلل من قيمة هذا العمل الرائع بل ويعد بداية جديدة لعودة المسرح الشعري من جديد … 

أما بعد :  

فقد لبت الشاعرة نداء ضميرها الحر ومنحته قلمها وأدواتها الشعرية لتتعاطى مع أحداث عصرها الكبيرة ولتثبت أن الأديب والشاعر العربي تحديدا قادر على العطاء ورفع الراية رغم كل الظروف المثبطة من حوله….

التعليقات مغلقة.