نهاية ألم … قصة قصيرة بقلم محمد كسبه
تذكرت حديثي مع آخر صديق لي ، قبل أن أغادره بلحظات كنت أقول له .
ما خلقنا الله عبثاً ولا باطلاً فنحن أهل للحق .
فابتسم في و جهي و قال : أتمنى ؛ لكن الدنيا مخيفة و الباطل له وجوه كثيرة و مرعبة ، لو يعلم الناس أن الله كرمنا بالقسم في كتابه العزيز لأدركوا قمية النعمة في أيديهم .
ما زالت تلك الكلمات تدور في رأسي و أتمنى أن أكون حرا ، أكتب ما أريد ، حينما أكون سعيداّ أكتب عن السعادة ، و حينما أكون بائساً أنتظر قليلاً و أتمهل حتى يتعدل مزاجي ؛ لكن الأمر ليس كذلك فأنا لا أكتب الحق دائما ، أنا أداة ، وسيلة لإثبات الحق أحيانا ، أو للترويج للباطل و إلصاق التهم بالآخرين ، و أكثر شيء يزعجني هو اللهو و العبث .
بالأمس قررت الهروب بعدما شهدت واقعة ربا ، لا دخل لي بها ؛ رغم ذلك كنت أنا العنصر الأساسي في الإدانة و التوقيع ، لو كان لي حق الاعتراض لفعلت ، لكن ما باليد حيلة ، حاولت أن اتملص من يد السفيه الذي وقع على ثلاثين إيصالا للأمانة ، و استدان بمبلغ سيدفعه ثلاثة أضعاف ، لا أدرِ هل تجمدت القلوب لهذه الدرجة ؟ هل أصبح الربا مباحاً ؟ أنا لا أنسى الابتسامة العريضة التي ملأت و جه الرجل الثري بعد أن وقع الفقير ، ناوله المبلغ المحدد ؛ رغم وجود الشهود في المكتب ، ألا أن لا أحد انتقد الموقف ، بل الأسوأ أنهم دعوا له بالبركة في ماله و في تجارته و انصرفوا ، أما أنا فأمسكني الثري و أخذني معه ، ركب سيارته و توجه لبيته و قبل أن يغلق باب سيارته ، دون أن يدري ، انزلقت منه إلى الشارع الواسع ممداً على الأرض طوال الليل و تنفست بحرية ، كنت أنظر للجميع ، و اندهش لماذا تركوني ؟ هل يظنوني فارغاً ؟
ظللت انادي : يا أيها الناس أريد عملاً ، اريد أن أكون نافعاً ، لكن بلا جدوى ، لا أحد يهتم .
في الصباح الشارع ملئ بالتلاميذ في طريقهم إلى الإمتحان ، مر حذاء أحدهم بجواري كاد أن يحطمني ، الحمد لله تلك الابتسامة جعلتني أحب الحياة و النشاط مع هذا الطالب الذي لم يستح و انحنى و أخذني معه ، ما أجمل متعة الامتحان ، يبدو أني سأساعد أحدهم ليصبح شخصاً نافعاً في المستقبل ، أحب هذا .
في الامتحان رغم أن معه آخر نظر إليّٓ و أمسك بي، بين شفتيه أسمع الإجابات ثم أدونها ما أجملها متعة ، تعثرت بعض الأسئلة عليه ، لم اسمع الإجابة ؛ لكنه كان ينظر لأوراق زميله و لأوراق أخرى صغيرة ملفوفة معه ثم يكتب الإجابة ، حاولت ألا أساعده فأصبح دمي باهتاً على الورق ، فما كان منه إلا أن أمسكني بغضب و دعكني بين كفيه لعل و عسى لكن لا جدوى لن أفعل ، فما كان منه إلا أن ألقاني من الشباك المجاور له ، شعرت بوجع شديد و ألم في رأسي ، حين ارتطمت بالأرض ؛ لكن لا باس فأنا حر و لن اكون نصيراً للمرابي و لا للغشاش .
أنا أحب المبادئ و القيم و لا أحب الفساد ، الغش و الخداع أنا أكره ذلك جدا ، لا أعلم هل ستكون نهايتي هنا في الشارع ؟ أم أن الحياة ستعوضني بشكل آخر ما عليّٓ سوى الانتظار .
بعد مدة وجدنى طفلاً متهوراٌ ألقى بالقبعة التي على رأسي ، ثم جرى سريعا نحو الحائط ، رغم الألم ، امتنعت عن الكتابة ؛ لكن قوة الإحتكاك خلعت رأسي و ظللت أنزف على الحائط و على يده و حين اتسخت ملابسه ، تحطمت تحت قدميه .
التعليقات مغلقة.