عجائب القلب الروعة … بقلم دعاءأحمدشكري
ارتعدت “رهف” خوفاً.. فربت عليها حتى هدأت تمامًا، و خرج منها ليلاً ليصلح لها اﻷجواء التى أتعبتها فسلبها نصف طاقتها من الحب، ونثرها بوجوههم ، فبعثت كيمياء الحب وطهرت القلوب .
ترتجف “رهف” من زوجة أبيها تنتظر طلقات الرصاص المحملة بأثقال ترهقها، ولكن حدث العكس، هذا الصباح مرت رياح حانية لم يسبق لها أن مرت بهذا البيت، ربتت زوجة أبيها على كتفيها، قبلتها قائلة بلهفة :
-ماذا بك حبيبتى؟ جسدك بارد، يرتعد يبدو أنك متعبة، فلتستريحى..
بعد المغرب عاد اﻷب ولم يدخل كعادته متسللاً بأكياس الفاكهة وطلبات زوجته المدللة ليسلمها لها مع الوارد اليومى من الورشة، بل وضعها على المنضدة، ولمح زوجته بجوار ابنته، ترعاها فضم يديهما بين يديه.. سمعت “رهف” صوت زغاريد متتالية، فأطلت من الشباك..وعندما سمعت أن عوانس الحارة تزوجن فى يوم واحد غرد قلبها البرىء متسائلاً:
-يا الله ما الخبر؟؟
أجابتها عيناها حين رمقت منشورًا معلقًا كتب به: ( شقة لكل عريس وعروسة من أهل حارتنا. إمضاء..المعلم طاهر.)
المعلم طاهر !! صاحب أبراج اﻷحلام.. يبدو أن قلبه قد انتوى أن يهطل بالزكاة التى ادخرها بخله طيلة تلك السنوات، ففك وديعتها خشية من الله و غمر بها شباب الحارة، فانزاحت غيمات(الاحتياج)، وأشرقت القلوب الخاملة وفتحت العيون الغافلة عن جميلات الروح والخلق؛ فبادر كل منهم بخطبة جارته المناسبة له.
زادت فرحة “رهف”.. لم تعد تسمع ضوضاء وشجارًا، نظرتْ إلى القهوة رأتها خالية من العاطلين والفتوات، لم يجتمعوا إﻻ ساعتين فقط بعد انتهاء أشغالهم لمناقشة حلول وابتكارات ومساعدة بعضهم البعض في مشاكل حارتهم التى أصبحت جنة، حتى اليد التى كانت تتسابق لرمى القمامة أصبحت تبادر بإزالتها وتغرس شجرة مكانها، و اللسان الذى كان مفصولًا عن عقل صاحبه روضته الكلمة الطيبة.
مرت أيام وهى تعيش بهدوء.. استكان قلبها المحب لمن حولها … خرجت “رهف” واشترت ورداً من كشك أمام المستشفى.. راحت توزع زهورها على أهل الحارة وأولهم المعلم طاهر .. تشكره على ما فعله لشباب الحارة.. يهتز جسد المعلم طاهر بضحكته المفزعة و يضرب كف على كف قائلا:البنت (اتجننت) رسمي أبراج !، زواج !، شباب!..خرجت من المشفى بعصافيرها كما هى..مازالت طائرة .
اتجهت “رهف” لمذياع الجامع المعلق على أطراف سلمه المطل على الحارة :
-أناشد شباب الحارة أن يتجولوا ويرشدوا كل الحارات والمحيطين بهم ليتعاونوا وتصبح حارتهم نموذج مشرف كحا..
قبل أن تكمل حُصرت بالضوضاء ورائحة القمامة والصراعات الخارجة من نفوس مشحونة.. تهتز الصورة الجميلة التى رسمها خيالها عندما خرج من طيات نفسها أثناء غيبوبتها بالمستشفى.. زلزل عقلها.. يميل نحو خيالها تارة ونحو الواقع المر تارة أخرى.. صوتُها المرتعش، الحنون ،الباكي، هز الحارة، خجلت الضوضاء، احتضنها أبوها، انحدرتْ دمعة من عم طاهر.. رسمتْ بخيالها لوحة خلابة.. ناطقة بصوتِها المرتعد و دموعها المتلألئة، لوحة عبرت بإحساس ورجاء للخير، أثرت بقلوبهم لعلهم يقلعون عن عاداتهم السيئة، و يحققون من أحلامها شيئاً ولو أياماً بالواقع.
التعليقات مغلقة.