سيكولوجية الأزمات …د.أحمد دبيان
سيكولوجية الأزمات …د.أحمد دبيان
الأزمة بإختصار هى تفاعل ظرفى مكانى حاد بين موارد محدودة لم يتم التخطيط لإستغلالها كما ينبغى وحادث زمانى مستنفذ لتلك الموارد على المدى القصير.
كانت مصر كدولة بدأت مع الزمان المكتوب الأكثر ثراءاً وتجربة مع الأزمات .
وعبر أوبئة الكوليرا والطاعون كانت الشدة المستنصرية الأكثر تصويراً لسيكولوجية الأزمات.
فى عهد خليفة فاطمى يدعى المستنصر بالله حدثت الأزمة ، كان الحسن بن الهيثم العالم الشهير قد زار مصر فى عهد الفاطميين مشيراً عليهم ببناء سد عالى للتحكم فى مياة الفيضان .
ولأن ميراث الإستخفاف بآراء العلماء موروث مغرق فى القدم لم يستمع اليه أحد مفضلين الإستغراق فى الحلوى والكنافة والقطائف والفالوذج عاى الطرق الفاطمية عملاً بالمبدأ الشهير فى السيطرة على المحروسة
( إطعم الفم تستحى العين )
حدثت الأزمة وجاءت مواسم الفيضان منحسرة لسبع أعوام عجاف ، تصحرت فيهن الأرض ويبست فلا زرع ولا ماء ولا محاصيل .
لم يكن سلوك الأزمة هو الأمثل ، وبعيدًا عن شعارات التعاضد واقتسام الكسرة والماء ، كان سلوك الأزمة مروعاً .
اقتات الناس القطط والكلاب ، واقتاتوا الموتى والأحياء ، واشتهرت كلابات لخطف السيارة.
بغلة وزير الخليفة و الذي ذهب للتحقيق في حادثة أكلوها وجاع الخليفة نفسه حتى أنه باع ما على مقابر أبائه من رخام وتصدقت عليه ابنة أحد علماء زمانه.
وذكر ابن إياس أن الناس أكلت الميتة وأخذوا في أكل الأحياء وصنعت الخطاطيف والكلاليب؛ لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح وتراجع سكان مصر لأقل معدل في تاريخها.
ويقول المقريزي كشهادة على الواقعة ، ظهر الغلاء بمصر واشتد جوع الناس لقلة الأقوات في الأعمال وكثرة الفساد، وأكل الناس الجيفة والميتات، ووقفوا في الطرقات فقتلوا من ظفروا به، وبيعت البيضة من بيض الدجاج بعشرة قراريط، وبلغت رواية الماء دينارا، وبيع دار ثمنها تسعمائة دينار بتسعين ديناراً اشترى بها دون تليس دقيق، وعم مع الغلاء وباء شديد وشمل الخوف من العسكرية وفساد العبيد فانقطعت الطرقات براً وبحراً إلا بالخفارة الكبيرة مع ركوب الغرر، وبيع رغيف من الخبز زنته رطل في زقاق القناديل كما تباع التحف والطرق في النداء: خراج ! خراج ! فبلغ أربعة عشر درهما وبيع أردب قمح بثمانين ديناراً. ثم عدم ذلك كله، وأكلت الكلاب والقطط، فبيع كلب ليؤكل بخمسة دنانير.
انتهت الشدة المستنصرية على يد (الجمالي) الذي اشترط أن يأتي برجاله وأن يفرض سلطته وأن يعيد الأمور إلى نصابها بقوة السلاح وهو ما وافق عليه المستنصر. بعد أن عُين (الجمالي) وزيرًا للدولة عمل على إصلاح نظام الري وقنوات الري التي فسدت وبالتالي اهتم بالزراعة بعد أن قام بمحاربة الجند المتناحرة وطردهم من المحروسة. جعل المحصول كله للفلاحين أول ثلاث سنوات ثم سيجبي في السنة الرابعة.
فى الأزمة خرجت الغرائز لتتسيد بلا رادع دينى أو أخلاقى أو عرف إجتماعى ، فلا عجب ان نجد اليوم التحرشات بالأطباء الذين يكافحون الوباء والإعتداء عليهم .
ولا غرابة فى قرصنة بعض الدول والاستيلاء على المعدات الطبية هنا وهناك من دول تصنف انها الكبرى بل والسلوك البشرى فى كل دول العالم لتخزين السلع .
فى الأزمات يخرج أسوأ ما فى الإنسان كما وبدرجة أقل عندالنخب الحقيقية يخرج أفضل ما فيه ، وتكون دائماً قاعدة الخروج من الأزمة بسط السلطان بالقوة أكثر من الإعتماد على مخاطبة أى وازع أخلاقى أو دينى.
التعليقات مغلقة.