قهوة المساء : السُّحت بقلم الأستاذ داوود الاسطل
السحت هو أكل مال بغير وجه حق .
لن اتطرق الى المفاهيم الدينية ، ولكن آثرت قبل البدء في الموضوع أن أشير الى أن السحت سبب رئيسي في ضياع البركة وماحقٌ للأعمال ، ومورثٌ للبلادة .
سأضع بين يدي القاريء تصوراً جريئاً للسحت الذي أصاب الناس عقماً فكرياً ووطنياً واجتماعياً في حياتهم .
أولاً : السحت الوظيفي
السحت الوظيفي يتمثل في المتسلقين ، الذين يعتبرونه ( شطارة ) ، وهنا تجدر الاشارة الى أولئك الذين يمتطون ظهور المخلصين للوصول الى جشعهم وأطماعهم دون الاكتراث بما يسببونه من ضياع للحقوق ، او شغر أماكن مهمة دونما انتاج حقيقي ودونما وجه حق .
وهنا يلتف الطامعين حول موائد اللئام ، فيصادرون حقوق الناس في العيش بكرامة ، ويستكثرون على الناس ما بأيديهم ، فيسرقونه عبثا دونما وجه حق ، وياكلونها سُحتاً في بطونهم ، في عملية اقصاء ممنهجة ، يُستبعدُ فيها المخلصون والمناضلون ويرتقي فيها الغوغائيون أصحاب الشعارات الجوفاء .
ثانياً : السحت الفكري
إن من أخطر الأمور التي تنهك المجتمع هو التنظير الفكري الذي يستهدف عقول الناس بهدف التغييب ، أو الانحراف عن الأهداف السامية ، وهذا السحت ساعد في تقسيم المجتمع ، وكل قسمٍ يستكثر أنصار له ، كماً لا نوعاً ، فهدفهم فقط سُحت الصناديق ، وليس تحرير العقول ، وينجحون في ذلك ، حتى ما اذا تمكنوا ، تنصلوا من الوعود ، واستعدوا الجماهير ، وكثرت أموالهم وممتلكاتهم ، وافتقر الناس ، وانتشرت الفاحشة ، وضاعت الاحلام والأماني ، وما أن يصحو الناس من غفلتهم ، حتى يبدأ مسلسل جديد من استحداث عصابة جديدة تبدأ الكَرَّة من جديد .
ثالثاً : السحت العاطفي
ان ما يحرك الناس في الغالب هي عاطفتهم ، وصدق انتمائهم وايمانهم بعدالة قضيتهم ، طالما الأهداف كبيرة ، ولكن العاطفة منها الايجابية ومنها السلبية ، فكلما ساد العدل زادت الطاقة الإيجابية ، وكلما ساد الظلم زادت الطاقة السلبية ، وهنا تجدر الاشارة الى ان الشعوب العربية برمتها تعاني من الظلم المحيط بها من كل جانب ، فتحولت الى مجتمعات بليدة ، لا تسعى الا الى قوت يومها أو بحثاً عن ملاذ آمن لها ، فقد ساد الطغاة من الولاة والحكام ومن لف لفيفهم ، وتحول الناس الى قطيع ، يقدمونهم قرباناً على مذابح الحرية المزعومة والمكذوبة ، فالتواقون للشهادة يرون الله أمامهم ، والتوَّاقون لمكتسبات الحكم ، جعلوه في أدراجهم .
رابعاً : السحت المالي
المال أصل استقامة الحياة ، وهو وسيلة للتبادل التجاري والحياتي بين الناس ، بكل صوره ، فإن كان كسبه من عرق الجبين كان نافعا ، وان كان شطارة ، كان ماحقا .
ولكن الأدهى والأمر ، أن تكون فتيَّا قوياً صحيحا ، وتتسول المال ، وهنا تكمن هزيمة النفوس .
تصور معي عزيزي القاريء أن راتبك ومالك وثراؤك ، كلها من اموال الصدقات التي حُرمت الشعوب منها لأجل دعمك ، هي بالأصل اموال الفقراء والمساكين ، وأنت تلتهمها ليل نهار ، بل فاق الأمر ذلك ، وتعدى الحدِّ المعقول في العيش وتعدى ذلك الى الفساد والثراء الفاحش ، فماذا أعقبنا ذلك ، بلادة ، وخزي ، وانقسام ، وظلم مستشري ، وهوان ، واستعظام للقوة الخاوية ، وتحول الكثيرون الى كلاب ان تحمل عليها تلهث أو تتركها تلهث ، ذلك بما كسبت أيدي الناس من سُحت .
فلسطين – غزة
30/9/2021
التعليقات مغلقة.