موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

مصيبة الموت… محمد الدكرورى

178

مصيبة الموت

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إنها الحقيقة الكبرى، كل حيٍ سيفنَى، وكُل جديدٍ سيبلى، وما هي إلا لحظة واحدة، في مثلِ غمضة عين، أو لمحة بصر، تخرج فيها الروح إلى بارئها، فإذا بالعبد في عداد الأموات ، وكفى بالموت واعظاً ، ووالله ، لو كان الأمر سينتهي بالموت لَهَان الأمر، ولكنه مع شدته وهوله أهون مما يليه من القبر وظلمته .

وكل ذلك هيِّنٌ إذا قورن بالوقوف بين يدي الله الكبير المتَعال، في موقف ترتجُّ له النفوس، وتنخلع له القلوب ، وهذه هي الدنيا من عاش فيها مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت ، وهى أيام تمر وليال تتكرر وأجيال تتعاقب فهذا مقبل ، وهذا مدبر وكلنا إلى الله سبحانه وتعالى سائر ، وكل حي سيفنى ، وكل جديد سيبلى ، وكل شيء سينتهي .

فما هي إلا لحظة واحدة في غمضة عين أو لمحة بصر يبدل الله من حال إلى حال وتخرج الروح إلى بارئها فإذا العبد في عداد الموتى ، وعن أنس أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال: “مِن اقتراب الساعة أن يرى الهلالُ قُبُلاً فيقال لليلتين، وأن تُتَّخذ المساجد طرقاً، وأن يظهر موت الفجأة” . رواه الطبراني

وجاء جبريل عليه السلام لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فقال: “يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس” .

والقبر أول منازل الآخرة، فإن كان من أهل الجنة عُرض له مقعده من الجنة، وإن كان من أهل النار عُرض عليه مقعده من النار، ويُفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعًا، ويملأ عليه نوراً ونعيماً إلى يوم يبعثون ، وأما الكافر فيُضرَب بمطرقة من حديد، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه.

وقال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله لعالم من العلماء: عظني، فقال له: لست أول خليفة تموت قال: زدني قال: ليس من آبائك أحد إلى آدم إلا ذاق الموت وسيأتي دورك يا عمر.. وسيأتي دورك يا عمر.. فبكى عمر رحمه الله وخرَّ مغشيًا عليه.

وأن الموت هو الخطب الأفظع، والأمر الأشنع، والكأس الذي طعمها أكره وأبشع؛ لأنه هادم اللذات، وقاطع الراحات، وجالب الكريهات، فإنه أمر يقطع أوصالك، ويفرق أعضاءك، ويهدم أركانك، لهو الأمر الأفظع، والخطب الجسيم، وإن يومه لهو اليوم العظيم .

ويا من تعلق قلبه بالدنيا ولم يجد لذة الخلوة مع الله، ومن تعلق قلبه باللهو ولم يجد لذة الأنس بكلام الله، ومن تعلق قلبه بالجاه لم يجد لذة التواضع بين يدي الله، ومن تعلق قلبه بالمال لم يجد لذة الاقراض لله، ومن تعلق قلبه بالشهوات لم يجد لذة الفهم عن الله، ومن تعلق قلبه بالزوجة والولد لم يجد لذة الجهاد في سبيل الله، ومن كثرت منه الآمال لم يجد في نفسه شوقا إلى الجنة .

فهل تفكرت يا ابن آدم في يوم مصرعك؟ وانتقالك عن موضعك؟ إذا نقلت من سعة إلى ضيق، وخانك الصحب والرفيق، وهجرك الأخ والصديق، وأخذت من فراشك وغطائك إلى غرر، وغطوك من بعد لين لحافها بتراب ومدر، فيا جامع والمال، والمجتهد في البنيان، ليس لك من مالك والله إلا الأكفان، بل للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين المال الذي جمعته؟ هل أنقذك من هذه الأهوال؟

وقد روي أن ملك الموت دخل على داود عليه السلام فقال: من أنت؟ فقال ملك الموت: أنا مَن لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشوة، قال: فإذًا أنت ملك الموت؟! قال: نعم، قال: أتيتني ولم أستعدَّ بعد؟! قال: يا داود، أين فلان قريبك؟ أين فلان جارك؟ قال: مات، قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟

وقيل أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن القبرَ أولُ منازل الآخرة، فإنْ نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه“، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ما رأيت منظرا قطُّ إلا القبرُ أفظعُ منه“.

وقد قال الله عز وجل لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، إنك ميت ، أنت يا محمد ولن تنجو من الموت كما لم ينجو أحد من الأنبياء من قبلك، وهذا الموت ، كتاب مؤجل، لا يستقدم عنه الميت لحظة ولا يستأخر، ومهما حرص الحريصون على الفرار من الموت، وعلى الدخول في الأغطية والمحصنات من المباني .

فإن الله جل وعلا يخرج أرواحهم من داخل تلك المباني، ولو كان بناء حصينا فإن الله جل وعلا يدخل ملك الموت على الشخص الذي حان أجله فيقبضه ولو كان في برج مشيد ، وإذا زرت المقبرة فقف أمام قبر مفتوح، وتأمل هذا اللحد الضيق، وتخيل أنك بداخله، وقد أغلق عليك الباب، وانهال عليك التراب، وفارقك الأهل والأولاد، وقد أحاطك القبر بظلمته ووحشته .

فلا ترى إلا عملك ، وذكر الموت يجعل النفس تصب عن لذائذ الحياة الدنيا، وهذا من الأمور المطلوبة، تذكر الموت يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، ويذهب الفرح بالدنيا، ويهون المصائب ، فماذا تتمنى يا ترى في هذه اللحظة؟ ألا تتمنى الرجوع إلى الدنيا لتعمل صالحا، لتركع ركعة، لتسبّح تسبيحة، لتذكر الله تعالى ولو مرة؟

فها أنت على ظهر الأرض حيًّا معافى فاعمل صالحا قبل أن تعضَّ على أصابع الندم وتصبح في عداد الموتى ، وسأل عمر بن الخطاب رضى الله عنه ،كعبا عن الموت فقال له كعب: يا أمير المؤمنين كغصن كثيرة أشواكه، أدخلت في جوف رجل فأصاب كل شوكة كل عرق فيه، ثم نزعت منه مرة واحدة، أبقى منه ما أبقى وأخذ منه ما أخذ .

وأكثر ما ينبغي للمؤمن أن يخافه في الموت أن يباغته وهو لم يتهيأ له، وهو ما يسمى بموت الفجأة ، وذلك أن من عادة الإنسان التسويف في التوبة والعمل الصالح، وطول الأمل والرغبة في الدنيا، وإلا فإن المقدم على الموت لمرض عُضال أصابه أو نحوه تتغير حياة أكثرهم في آخر أيامه، فترخُصُ عنده الدنيا وتَعْظُمُ الآخرة، فيكونُ ما ألَمَّ به من علامات الموت ومقدماته خيراً له؛ فيجدد التوبة ويخرج من المظالم ويكفرُ الله مِنْ خَطَايَاهُ بما أصابه من مصيبة المرض .

وهذا هو الإمام أحمد بن حنبل ، حينما نام على فراش الموت ، قال عبد الله ولده: ” حضرت وفاة أبى فنظرت إليه فإذا هو يغرق ثم يفيق ثم يشير بيده ويتكلم ويقول: لا بَعْد ، لا بَعْد ، فلما أفاق في صحوة بين سكرات الموت وكرباته، فقال له ولده عبد الله: يا أبتي ماذا تقول؟ تقول: لا بعد، لا بعد ، ما هذا؟

فقال لولده: يا بنى شيطان جالس عند رأسي عاضٌ على أنامله يقول لي: يا أحمد لو فُتَّني اليوم ما أدركتك بعد اليوم وأنا أقول له: لا بعد، لا بعد حتى أموت على لا إله إلا الله ، وفي الموت رؤية: فلن تخرج روح العبد حتى يرى مصيره إلى الجنة أو إلى نار .

فإننا نحتاج حاجة عظيمة إلى التمعن والتفكر في هذه المسألة ، لأنها أساس التقوى، ولب العمل الصالح، وهي دافع مهم من الدوافع على القدوم على الله عز وجل بأعمال صالحة، إذا فكر الإنسان في الميت ، يفكر كيف قد سالت العيون، وتفرقت الخدود، مساكين أهل القبور، عن يمينهم التراب، وعن يسارهم التراب، ومن أمامهم التراب، ومن خلفهم التراب، كانوا أهل الدور والقصور فصاروا أهل التراب والقبور .

التعليقات مغلقة.