نحو حداثة عربية ( 1 )بقلم : د: محمد راضي الشيخ
أستاذ مساعد البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن بجامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية بماليزيا ( UNISHAMS )
نحو حداثة عربية ( 1 )
إن مصطلح الحداثة نشأ في الغرب في بيئة غربية على أيدي كتاب غربيين طبقوه على أدبهم الغربي، وأى مصطلح يكون نابعًا من فلسفة محددة وفكر معين. هذا الأساس الفلسفي ينبع من نظرية محددة المعالم والأطر سواء كانت في الأدب وغيره من فروع العلم المختلفة. وهنا سينطبق حديثنا على مصطلح الحداثة الأدبي الذي بدوره نشأ بداية في الغرب – كما ذكرت – نتيجة لفلسفة انبثقت من الفكر الغربي ومن الرؤية الغربية والتصور الغربي للأدب بشتى فنونه، ومن المعلوم أن البيئة الغربية والفكر الغربي يختلف اختلافا جذريا عن البيئة العربية والفكر العربي فكلا الفكرين نشأ في بيئة مغايرة تماما للبيئة الأخرى ، فلكل بيئة منهما عاداتها وتقاليدها وتصورها للحياة ولجميع الأشياء التي تختلف بدورها عن بعضها البعض ، فالأساس العقدي لكل مجتمع هو الذي يكون هذه الرؤية وهذه التصورات ومن ثم ينعكس على الأخلاق والقيم التي تسود في كل مجتمع ، والمبدع ابن لبيئته فكل ما يسود في مجتمعه من عادات وتقاليد وعقيدة وأخلاق وسلوكيات وثقافة بشتى أنواعها ينعكس إنعكاسا مباشرا على تكوينه الذهني ومن ثم على صبغ خياله الأدبي بهذه الصبغة المجتمعية ، فيظهر هذا كله في إبداعه الأدبي بشتى فنونه دون أن يدري ، لان كل هذه الأشياء تختزن في العقل الباطن واللاوعى واللاشعور وتختمر ثم تخرج كل هذه الأفكار والتصورات في صورة إبداع أدبي ، يكون هذا الإبداع صورة مصغرة لكل ما سبق ذكره ، ومن ثم بناء على ما سبق فإن الإبداع الغربي يختلف في مفهومه وأفكاره وفلسفته ومن ثم في صوغ رؤيته الإبداعية وصوره الخيالية عن الإبداع العربي الذي بدوره يعتمد على أفكار وفلسفة مختلفة ، لذا لا يجب أن نسير وراء الغرب حذو القذة بالقذة ، وهذا لا ينفي الإفادة من كل جديد ما يتناسب مع فكرنا وفلسفتنا ، فالحداثة الغربية ليست مرادفا للتجديد والتطوير وعدم الجمود ، ولكنها شئ آخر مغاير تماما لهذه المصطلحات ، فالتطوير والتجديد لا يرفضه عاقل ، وقد مرّ أدبنا العربي عبر تاريخه الطويل بسلسلة ليست قليلة من حلقات التطوير والتجديد
كان التجديد الشعري فى هذه العصور نابعا من التغيرات التي طرأت على المجتمع العربي والإسلامي ، كانت تغيرات فى الشكل وبعض المعاني الشعرية لكن الشعر ظل محتفظا بتقاليده المرعية عبر القرون الطويلة وأطره الحاكمة من الاحتفاظ بالموسيقى والقافية وغيرها من القواعد ، فمثلا الشعر الحر هو تطور طبيعي للشعر العربي ، لم يتخل عن الموسيقى والأوزان الشعرية لكنه غير فيها ونوع فمثلا كانت القصيدة القديمة تسير كلها على بحر واحد فقط طوال القصيدة ولو طالت أبياتها إلى أكثر من مائة بيت كالمعلقات مثلا ، والقافية رتيبة تتكرر مع نهاية كل بيت شعري إلى آخر القصيدة ، فالذي تغير فى الشعر الحر أنه يمكن أن تتعدد البحور الشعرية فى القصيدة الواحدة وتتغير القافية بحيث لا تصبح رتيبة فى كل سطر شعري ، واستبدلوا البيت بالسطر الشعري الذي تزيد تفعيلاته وتنقص فى العدد حسب الدفقة الشعورية لدى الشاعر ، هذا التغير قبله النقاد ، لأنه لم يلغ الموسيقى والقافية لكنه نوع فيها ، أما قصيدة النثر فألغت الموسيقى والقافية كلية ، ظنا منهم أن الموسيقى ليست مهمة ، فالموسيقى مهمة ورافد أساس من روافد المعنى ، فاختيار البحر الشعري له علاقة بالمعنى هذا كله أخبر به كل النقاد القدامى ومعظم المعاصرين من أساتذة النقد الأدبي فى جامعة الأزهر ودار العلوم ما زالوا يرفضون قصيدة النثر ، ولا يعدونها تطورا ، لأنها طرحت فارقا أساسا بين فنين من فنون العربية متمايزين أشد التمايز هما الشعر والنثر ، فالفرق بينهما هو الموسيقى ، وفى هذا الصدد كلام كثير للنقاد فحواه رفض قصيدة النثر ، وانتشارها ليس مبررا لقبولها وعدها تطورا ، وإذا أردت الاستزادة هناك بحث منشور فى المجلة العلمية للغة والثقافة مجلة كلية اللغة العربية بجامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ( جامعة الإنسانية سابقا ) بها بحث منشور بعنوان ” قصيدة النثر رؤية تحليلية نقدية ” للدكتور محمد راضي الشيخ الأستاذ المساعد بالكلية ، عدد يناير 2016م ، 1437ه ، العدد الثاني ، فيه شرح وتفصيل عن أهمية الموسيقى والتطور الذي طرأ عليها ولماذا يرفض معظم النقاد وأساتذة الجامعات المتخصصين فى النقد الأدبي قصيدة النثر .وللحديث بقية إن شاء الله.
التعليقات مغلقة.