” عطر أخّاذ ” بقلم/ محمود حمدون
استرعى انتباهي المشهد, لم أملك غير أن أتوقف وأتأمله, يبعث على الحيرة والقلق في آن, وجدتني دون وعي أقول بصوت مسموع رغم أنني كنت وحدي: غريب أن تنبت زهرة بيضاء وسط مئات بل آلاف من شواهد القبور؟ ما أعجب أن تشق طريقها وسط الصخور والعظام المتراكمة فوق بعضها هكذا؟! أي قدرة لديها. أي طاقة على البقاء تمتلكها رغم ضعفها البادي عليها.
تمايلت الوردة بتأثير نسمة باردة, ثم استقام عودها بسرعة, بلغة لا يدركها إلّا من لا يخشى عتمة الليل, همست: كل هذا الموات الذي تراه حولك لا قيمة له أمام نبتة واهنة, كما لا يصمد الظلام أمام ضوء شمعة صغيرة.
قلت: لكن المكان موحش, مقبض للنفس. كيف وجدت طريقك إلى هنا؟
اهتزت طربًا, قالت: هو من بحث عني, تضرّع إليّ أن أستقر بتربته.
-أخاف عليك
قالت: الموتى يخافونني أكثر من خيفتهم من منكر ونكير في قبورهم.
اقتربت منها, لثمت وريقة خضراء نابتة من ساقها, ثم ألقيت عليها السلام, غادرتها وعطرها الأخّاذ ظل يلاحقني حتى خرجت إلى العمار.
التعليقات مغلقة.