نجم المدينة.بقلم.نجوي عبد الجواد
إعلانات مكثفة عن المسابقة السنوية لاختيار “نجم المدينة”.
المرحلة الأولى للمسابقة تقوم على تصويت الجمهور للمتسابقين والمرحلة الثانية كما البرامج المشابهة يختار فيها الجمهور النجم مع لجنة تحكيم مميزة ويقدِّم فيها كل متسابق قصة نجاح تؤهله لحصد اللقب. عدة أيام مضت والمسابقة على أشدها، والمتسابقون يتبارون في كسب أصوات الجماهير حتى وصلت المسابقة إلى المرحلة الأخيرة والتي ضمت متسابقين ثلاثة. الليلة سيتم إسدال الستار على المسابقة باختيار متسابق من ثلاثة يكسب أصوات الجمهور ولجنة التحكيم. ديكور البرنامج يناسب الحدث وكذلك الموسيقى و المذيعة واللجنة التى تحكِّم…. . بعد مقدمة مشوقة من المذيعة يدخل المتسابق “أ”، يبدو قويا واثقا من نفسه.
عرِّفنابنفسك :يتحدث رئيس اللجنة.
لن أجيب شفاهة، سوف ينوب عني هذا الفيديو. يرد “أ.”
تدير المذيعة شاشة كبيرة يجتمع عليها الجمهور والمحكِّمون، “المقهى ممتلئ بالشباب، المباراة فى قمة الإثارة، تركز الكاميرا على شاب يدخن بشراهة، ويتابع بتعصب، يقذف لاعبي فريقه بسباب وألفاظ قاسية وكذا المنافس والحكم و المذيع ومخرج المباراة… يطلب منه أحدهم الصمت حتى يتابع المباراة؛ يهم بضربه، يحول دون ذلك الحضور، بعدها يعود لمقعده غير مكترث بنتيجة المباراة ولا بالرد على هاتفه الذى لم يتوقف عن الرن ولابالمقهي الذى فرغ من الناس ويريد الإغلاق. يوقف” أ” الفيديو ويعلِّق :كي تعلموا مقدار نجاحي معه انظروا ماذا كان من قبل. يعرض عدة صور. الأولى:على مسرح بجوار صبية يكرَّمون وبجوارهم شخصية تبدو مهمة.
الثانية :وشاح الطالب المثالي بجوار مديرة المدرسة في طابور إحدى المدارس الإعدادية.و الثالثة كأس الرياضي المتميز. أما الرابعة فبين أسرته حاملا شهادة التخرج والمركز الأول على كليته. الصورة قبل الأخيرة وهو يقرأ التهاني لزملائه أصحاب المراكز التالية له على تعيينهم في الجامعة. أما الأخيرة ففي أعمال بسيطة لا تناسب قدراته ولايجد نفسه فيها. وهكذا بعد أن كنت أزوره من حين لآخر صرت رفيقة الذى لايفارقه، ولم يتضرر حين دعمت نفسي واستدعيت اليأس ليكون ثالثنا ليصبح علي هذه الحالة التي رأيتموها؛ ألا أستحق بعد هذا أن أحصد لقب نجم المدينة؟!
أطلق الجمهور صيحات التشجيع، أومأت اللجنة بالإعجاب. ينسحب المتسابق من المسرح ليدخل المتسابق “ب”يبدأ بالأسف للحالة التى سيقدمها، لكنها دليل نجاحه وجدارته بحصد اللقب. يقول بثقة :سوف أفوز بالقاضية، وهاهى القصة بين أيديكم. تدور أحداث الفيديو المعروض على الشاشة الكبيرة: المكان يكتظ بنساء يرتدين السواد، يلبسن أحذية سوداء، ويحملن حقائب سوداء، ستائر مسدلة على النوافذ تحجب النور،في الركن البعيد يبتلع الكرسي هذا الجسد النحيل المنكس ، ، تضع يدها في يد كل قادم دون وعي منها بشخصه، زحام مخيف بالنسبة لهما ومشهد حتما سيرسم في ذاكرتهما حتى النهاية، يتسللان بين الناس، يداريان خوفا باديا في عيونهما هاهو الأمان فى حضنها، يعيدانها من عالمها السابح في بحر من الدموع إلى عالمهم الجديد، رائحته تنبعث من شعرهما، تجفف دموعها وتمثِّل التماسك لكنها تهزم في النهاية، دموع ساخنة لم تتحملها أهدابها المتعبةتبلل رأسيهما. يبدو على وجوه اللجنة الإعجاب من خلال همساتهم، يعودون للفيديو إثر توجه الوجوه تجاه باب الحجرة إثر دخولها، جالت عيناها حتى عثرت عليه فارغا، أيها الشعراء أين أنتم من عينيها؟! هكذا يصيح رئيس اللجنة. يرد المتسابق “ب” سعيدا:هذه شهادة تحسب لي. تجلس السيدة الصغيرة يكاد يجزم من يراها أنها لاتري أحدا، تقاوم ثقل الجبال حتى ترفع جفنيها، تحرك مقلتيها الغائصتين في دموع حبيسة أفلتت بعضها وعلقت بالأهداب تأبى السقوط حتى لاتحرق المكان، إلى كفين مرتعشتين وجهتها ، لطالما وجدت الأمان بين كفيه من قبل، جسدها خارج السيطرة، ينافس الكفين في الانتفاض، يخرج صوت يبكي بلادموع كم كان عذبا من قبل وهما يتضاحكان، تدعو والحضور خلفها، تعبوا وماتعبت، ملُّوا وما ملَّت، دعاء جميل محمَّل بدفء المحبة وبوجع الوداع. يقطع على اللجنة اندماجها صائحا :لقد تنقلت من إنسان لآخر، وزرت أحدهم أكثر من مرة في حياته لكنني لم أكن قويا مثل هذه اللحظة، أنا الأجدر يا سادة بهذا اللقب أليس كذلك؟
صرخات الجمهور وابتسامات المحكِّمين . لم ينطلق التصويت بعد،المتسابق”ج” يبدو أنه في أزمة بعد الذى قُدِّم قبله. كونك مختلفا ليس بالأمر الهين، هكذا بدأ حديثه.
رئيس اللجنة نعم نعم وسنري ذلك هلُّم لتحكي قصتك.
“كومة الغسيل هى أول مايراه الحضور في هذا الفيديو، كومة كبيرة مازالت تنتظر مصيرها إلى داخل الغسالة، وتلك التى جفت
مازالت منذ أيام ملقاة على الكنبة تنظر إليها السيدة ثم تشيح بوجهها وتقول لنفسها :لابأس فيما بعد. الأطباق والحلل وبقايا الطعام، تهم بفتحه، يدها على الصنبور ثم ترتد إلى جانبها، وتعطي ظهرها للمطبخ وتغادر.
أمي أمي، تعالي.
تفتح باب الحجرة، تسمع تساؤلاتها، ثم تحيلها إلى أخيها أو إلى هاتفها لتبحث عن إجابة لأسئلتها، تصر الصبية على أن تجلس معها، تدخل، تتمدد على الكنبة، تحكي البنت وتحكي، ثم يعلو وجهها الغضب لعدم التفاعل، تربت على كتفها وتغادر الحجرة دون كلام.
لايريد الهاتف الصمت، تشيح بيدها غير عابئة. تلجأ إليه بجسد منهك وروح منطفئة، يصيح المتسابق تأملوا قوتي وتأثيري، أنا الأحق باللقب. لايأخذهم صياحه من المتابعة، يعودون لها، التلفاز أمام سريرها مفتوح دائما على تلك المشاهد، بيوت خاوية على عروشها، بشر فوق ركام منازلهم، طفل بلا أسرة، وأم ودعت أبنائها، تستدعيني سرا،وكثيرا ما تلقى بي خارجها مع دموعها، ولكن سرعان ما أعود مع تجدد المشاهد. لاتريد نصائحهم بالكف عن المشاهدة، إنها منهم؛ فكيف لاتهتم بأمرهم؟!
يغلق الفيديو عليها وهي تحمل بعضا منها وتجر أقدامها إلى العمل، وتترك البعض الآخر معهم عساه يشفع لها.
فتح التصويت للجماهير لمدة ساعة وانتهت لجنة التحكيم من اختيار نجم الموسم.
الثلاثة يصطفون،
صافرات الجمهور تتعالي، قلق وتوتر، المذيعة ترفع المظروف الذى يحمل اسم الفائز: من تتوقعون؟!”أ” ، لا بل “ج،” لالا نجم مدينتنا “ب،” . للمرة الأولى، صيحات وصافرات، تشير إليهم طالبة الهدوء وتفض المظروف وتكمل:للمرة الأولى يتفق الجمهور والتحكيم على الفائز.القاعة يعمها الصمت. الفائز بلقب نجم المدينة هو…. تنبعث موسيقي تزيد من حالة التشويق، تعلو نبضات قلب المتسابقين الثلاثة وذويهم، الفائز هو… يود الجميع لو انتهت هذه اللحظة، الفائز هو…. إنه المتسابق “أ”.تصفيق حاد من الحضور ولجنة التحكيم وتتقدم فتاة حاملة لدرع وأخرى لوشاح ،وتقفا بجوار اللجنة . واثق الخطوة يسير “أ”محييا الجميع مرتديا الوشاح، رافعا الدرع لأعلى وقد كتب عليه” نجم مدينة الأحزان”.
التعليقات مغلقة.