حجّْامٌ بلا لجام بقلم / د. صبحي زُردُق
هو شابٌ متدين ، أراد أن يقتحم مجال العلاج بالحجامة ، باعتبارها نشر لسُنةٍ من سنن النبوة ، نيته إذاً صادقة ، و لكن يبدو أنه لم يُثقِل تلك النية بالدراسة أو التعلم الكافي من ذوى الخِبرة ، و بالتالي فقد أصبح كالجواد الذي يجري بلا لجام يحكمه …
ففي ذات يومٍ جاءه مريض يشتكي ألم شديد بعنقه ، قام الحجّْام المُبتدىء بوضع كأس الهواء على الوريد الرئيسي الموجود على جانب العنق ظناً منه أنه وريد محتقن و أنه سبب الألم في العنق ، ثم رفع الكأس و قام بتسديد عدة شرطات بشفرة حادة ( موس حلاقة) فوق منطقة الوريد العنقي ، ثم وضع الكأس من جديد ، تدفقت الدماء مندفعة بقوة الشفط إلى داخل كأس الحجامة ، فامتلأ الكأس عن آخره في غضون ثوانٍ معدودة ، فقام بإفراغه على الفور ، ثم وضع الكأس مرةً أخرى …
و بينما هو على تلك الحالة قد بدأ المريض في الشعور بعدم التوازن قائلاً : أيها الحجّْام إنني أشعر ببرودة شديدة و دِوار .. رد الحجّْام قائلاً : لا لا تقلق ، أعراض بسيطة ستزول … ربما لأنك خائف.
و لكن ما زالت الدماء تتدفق في الكأس ، بعد قليلٍ من الوقت اشتكى المريض للحجّْام قائلاً : أشعر بأن كل ما حولي قد أصفر في عيني، و كأنني في ضباب ..
رد الحجّْام غير ذي الخِبرة قائلاً : لا عليك إنها أحاسيس عادية تحدث مع خروج الدم ..
و مع استمرار تتدفق الدماء في كأس الحجامة بدأ المريض في قوله : لماذا اطفأتم إضاءة الغرفة ، جاوبه من كان يصاحبه من الزملاء قائلاً : لم نطفىء شيئا .. فرد المريض قائلاً : يا حجّْام أنا لا أرى شىء إلا الظلام ..
أخيراً استفاق الحجّْام لكارثته .. و ذلك عندما رأى عدم توقف النزيف النازل فشعر بالخطر المُحدِق بالمريض ، فقرر خلع كأس الحجامة و الذهاب سريعاً إلى المستشفى العام لإنقاذه من النزيف المستمر من وريد العنق …
تُرى هل مات المريض ..؟؟
وصل المريض إلى قسم الإستقبال و هو مازال لا يَرى أمامه سوى الظلام ، و لحسن الحظ لم يفقد المريض وعيه ، فما زال يتكلم و مازال يصف لطبيب الجراحة ما يشعر به بدقة …
تُرى هل سيعيش ..؟؟
و بسرعة قام طبيب الجراحة بتحويل المريض إلى غرفة العمليات لإيقاف النزيف المستمر و لعلاج ضغط الدم المنخفض بشدة ، حيث قام الجراح بنقل وحدتين من الدم الطازج إنقاذاً للموقف ، مع عمل غُرز جراحية لرأب القطع الذي أصاب جدار الوريد العنقي بشدة … و بعد ساعات من الإسعافات عاد المريض يبصر من جديد .. و زال الخطر و الحمد لله .
و هنا علينا أن نتذكر المسئولية الكبيرة للإقدام على معالجة الناس و هو الأمر الوارد في حديث النبي في صحيح أبي داود : أيُّما طبيبٍ تَطبَّبَ على قَومٍ لا يُعرَفُ لهُ تَطَبُّبٌ قبلَ ذلكَ فأعْنَتَ فهوَ ضامِنٌ” …
و حتى لا يُخلط الحابل بالنابل يجب التنويه إلى أن العيب هنا لم يكن في الحِجامة كطب إنما كان في الحجّْام الذى قام بممارستها دون علم أو تدريب .. و الحِجامة من مثل أولئك بُراء ..
التعليقات مغلقة.