موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

من اسم حركي “رؤية العالم من أسفل “… محمود حمدون

244

من اسم حركي “ رؤية العالم من أسفل “

محمود حمدون

الناشر : مركز الحضارة العربية – القاهرة

الوكر – رؤية العالم من أسفل

===

قبيل أن يغلق المقهى أبوابه , تلك اللحظة التي يتغيّر فيها مزاج ” نبيل ” فتبدأ ثورته , طلب الحساب علانية , آمراً الجميع مغادرة المكان.

قبيل ذلك أستعد للزحف , الخروج من المقهى بكرامة تليق بيّ كرائد من روّادها الثقات , أتأهب لغزوة أخرى لا يمكن أن تنتهي ليلتي دونها .. الذهاب للوكر , ذلك المكان الذي لا تستطيب الحياة بغيره.

للوكر بابان , واحد يفتح على زقاق معتم ليل نهار , الآخر سريّ يعرفه قليل من روّاد المكان و صاحبه , للفرار إن تأزم الموقف , هبط علينا العسس , لم يحدث من قبل أن اُضطررنا للهروب من الوكر .

رغم ضيق مساحته, هو ملاذ آمن , متعة صافية تلفّني من رأسي حتى أخمص قدمي حينما أندس بين زملاء ” الوكر , يسري دخان الحشيش ” متسللاً برفق بيننا , نستنشقه على مهل , نغيب عن عالم وهمي لآخر نراه رأي العين .

أحب هذا المكان , أشعر بضيق إن انقطعت عنه لسبب قهري , كم سألت نفسي : هل أنا منفلت الأخلاق فعلا كما يشيعون ؟ هل يتلبّسني جنيُّ فتتعدد شخصياتي بهذا الشكل ؟

حاولت التوقف مراراً , فشلت بدافع الاستمرار , لماذا ؟ للقوم حياتهم, ليّ حياتي .

كيف تأتي لمكان مثل هذا ؟ كيف تنحدر من أعلى لأسفل ؟ لو علم رؤسائك ما تركوك في الوظيفة و أنت تعلم كم يكرهونك , يقعدون لك عند كل زاوية , يحدوهم أمل اصطيادك ..

= لست مزدوج الشخصية أو معتلّ نفسياً , فحياتي أحياها كما رغبت , و كما أشاء , فلكم دنياكم فدعوني أعيش دنيتي , زميل عمل قابلته صدفة , يبحث عن صيدلية ليلية لشراء دواء لابنته المريضة, عندما أبصرني بان كدر على وجهه , ألم لم يخفيه أو ينتظر صبيحة اليوم التالي بالعمل فاندفع إليّ يوبّخني بعاطفة ..

لروّاد ” الوكر ” أسماء حركية أطلقناها على بعضنا دون قصد , تبدأ السهرة قبيل منتصف الليل , دائرة لا يزيد عدد أعضاءها على ثمانية , أشهرهم ” رشاد ” مخبر الأمن , نديمي في المقهى و رفيق كفاح بالوكر , زميل طريق يزود عنيّ الهوام عند العودة , ثم ” مينا” صديق الطفولة , شخصيات أخرى غائمة التفاصيل , فأنا اذهب إليهم عادة متأخراً بعض الشيء , حينما يكون الخدر قد تسلّل إلى عقولهم , بدأ الثٌقل يداعب ألسنتهم , فتتوه الحقائق ..

تاسعنا تلك الراقصة العجوز ” صباح ” , الرابضة بجوارنا , كومة من اللحم و الشحم , ترقص بجوارحها فتضطرب الأرض من تحتنا , نغيب عن الوعي بعد أن تهبط السماء بزرقتها الصافية للأرض , دخان ينتشر بالمكان . يزيد رقصها جنوناً .. تهدأ العاصفة , يتبدّد الدخان قليلاً حينها تختفي ” الراقصة ” مع زميل بضعة من الوقت .. ثم تعود بوافر صحتها لتبدأ وصلة من الرقص بينما تضيق الدائرة ..

أعشق هذا المكان , أجدني أنتمي إليه و لست أري لماذا؟ هل لأن الحياة هنا على طبيعتها , عارية لا تكلُّف فيها ؟! أم لأن الحضور يخلعون مبادئهم الحياتية على عتبة الدخول , ثم يرتجلون منهجاً مغايراً ؟!.. هنا مبدأ واحد يلتفُّ حوله الجميع , تلتقي المبادئ بالوكر لتصبح منهجاً جديداً أو ربما هو المنهج الطبيعي ..فالوكر عالم سريّ نعلمه جيداً , يعرفه الجميع , يدركون أن ما يحدث به و يسمّونها ” موبقات ” هي غريزتهم الأساسية التي يتخفّون منها نهاراً ثم يرتّدون إليها ليلاً.

أيقنت بدوام وجودي بهذا المكان أن لكل فرد ” وكراً ” يسعى إليه , يحتمي به .. فالإنسان دون ” وكر ” يغرف منه و فيه ملذّاته لا قيمة له , أذكر مقولة لرشاد , قالها ذات ليلة و الحشيش يعبث برؤوسنا , عيوننا تتهدل من النعاس , ” صباح ” ترقص كأنما أخر رقصة لها , وقتها التفت إليّ و قال : ” عايز تعرف أي إنسان على حقيقته , ابحث عن ” وكره”

= تأثير الحشيش ؟

على العكس , هنا و معك و بهذا المكان و بحضرة ” خميس ” ذلك القوّاد و زوجته ” صباح ” و أنا راعي الأمن ” صباحاً ” و بلطجي المكان ” ليلاً ” كل شيء رسمي ينهار , ترتد الأمور سيرتها الأولى ..

= يا سلام !! الكل أصبح ” فلاسفة ” ما تلك الحكمة التي تنساب على لسانك هذه الليلة ..

أومأ ” رشاد ” برأسه : أوشكت ” صباح ” أن تنتهي من رقصتها ” الدور على مين؟! ” أحذّركم من الغش ..

” مينا ” أقلّنا إقبالاً على ” الحشيش ” يكتفي بنفس أو أكثر , ثم يُسلم نفسه لهذا العالم الأزرق , يتيه معنا و بيننا .. عيناه لا تنزلقان من على جسد الراقصة , لا يقترب منها إلاّ عندا يغيب ” الوعل ” عن الوعي بصورة تامة .

عرفت هنا من الأسرار ما يخفى على الجميع , تذوب القيود عندما تتوهج أحجار ” الشيشة ” حين يتصاعد الدخان الأزرق الجميل , يلفُّ الهامات العالية , فتتساقط ببطء , تنحل العقد , تتسرب المعلومات .

المعلم ” خميس ” صاحب المكان , حتى الآن لم أدقق في وجهه , إذ يدخل علينا بعد أن تُعقد ” الجلسة ” و تدور الأحجار و معها الرؤوس , يطلُّ بهيئته , قصير القامة , بجلبابه ” بني ” اللون , شاربه الكثيف , نظرته الماكرة .. لديه حلاً لكل مشكلة تواجه أعضاء ” الجلسة ” .

الجميع في استرخاء بعد ساعات من مشقة , هنا يكون للحياة طعم آخر, الوحيدة التي تشقى و تعرق ليلاً هي ” صباح ” عداها الكل في ضحك أو وجوم أو انتظار مرور ” ليّ ” النارجيلة إليهم .. أو وضع بصماتهم و أنفاسهم على جسد الراقصة , كنوع من التوقيع بالانصراف قبل أن ينصرف الليل .

في نادرة أن يتحدث أثناء عمله , قال خميس لزوجته : أليس من الأفضل أن تستعيني بفتيات صغيرات السن يساعدنك في مهامك مع الزبائن و الرقص ؟ ,

رفضت بشدة , قائلة عبارة تاريخية: للصنعة أصول لا يعيها إلاّ من ورثها . قول أكبرناه جميعاً , أثنيت بشكل خاص على التزامها المهني و حرصها على ” أكل عيشها “

= أرسلت إليّ قبلة على الهواء, تجاهلها زوجها , قالت بلسان مثقل بتأثير دخان ” الحشيش ” : أدوار نمارسها, لكل مهنة أربابها ..

ما أشقى ألاّ تمر كلمة من بين أذنيك , فحينما أعود لبيتي , ارتمي على سريري , أسترجع ما سمعت , كبهيمة تجتر ما أكلت طوال يومها , صلاة الفجر مع الأخوة , درس الأحد , العمل , المقهى , أصدقاء الوكر , دخان السجائر الممزوجة و المحشوّة بالحشيش , تلك النغمات الزاعقة المتسرّبة من الوكر , تأوّد ” صباح ” الراقصة العجوز , وجهها الملطّخ بدهانات يصعب مسحها فتركتها و شأنها, تفصيلات طريق العودة , الشارع بكل ما يمر بيّ .. حالة الشغف التي تسيطر عليّ من فجر كل يوم حتى أضع رأسي ..

ثم أبدأ في إعادة مضغ كل ما رأيته و سمعته بعقلي على مهل , ثم أنفض ما علق به من غبار, حينها أوقن أنني خرجت من يومي صفر اليدين , قبيل نومي تأتيني رسالة على هاتفي من ” موني ” أين أنت ؟ قلق يساورني ليس بشأنك بل مما تفعل .. حينها يداهمني نوم يستغرقني .

التعليقات مغلقة.