موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

التكوين … محمود حمدون

281

التكوين

محمود حمدون

” التكوين “

الناشر : مركز الحضارة العربية – القاهرة

انطلقت خلف الرجل الغامض , طويل بإفراط , ملامحه تائهة خشيت أن اقترب من وجهه لأتمعّن فيه, رغم خشيتي منه إلاّ أنه فزع من تتبعي له …
= ماذا تريد ؟ أراك تسير خلفي كظلي ؟ غير أن الظل يختفي في الظلام بينما أنت تصر على غاية وراءها تسعى .!! فمن أنت؟
-لا تؤاخذني , سمعتك منذ قليل تتحدث بعبارة غريبة .!

  • ما هي ؟ ثم من أنت ؟
    قلت : ذكرت لرفيق طريقك منذ برهة أن ” المؤدلج لا مبدأ له ” فما أو من ” المؤدلج ” ؟ كيف لا يكون للفرد مبدأ ؟ هل العبارة مدحًا أم قدحًا ؟!
    ضحك قليلًا , هدأت نفسه بعد روع خفيف , ثم أومأ إليّ , و قال : ” المؤدلج ” , من يسير على أيديولوجية محددة .. فهل تعرف معنى ” أيديولوجية “؟
    = أتراني جاهلاً بنظرك ؟
    تلعّثم قائلاً : معاذ الله أن أقصد هذا , لكنك من سأل في البداية , يحقّ ليّ أن أسألك إماطة لغموض حديثنا, فما أردت سوى أن يسري التبسّط بيننا , عمومًا , الغاية من العبارة التي سمعتها على لساني : أن من يسير على نهج حياتي محدد ألزم نفسه به ,
    كمن يضع قيداً حول عنقه , يمنع الناس أن تساعده على الفرار و إن ظل يستغيث طلبًا للعون أبد الدهر, هو من يسير على وتيرة واحدة لا يرى غيرها الصحيح , يرى أتباعه هم الأتقياء الأنقياء , أصحاب الرؤية السليمة , دونهم قبض الريح , غثاء كالسيل .. هل فهمت؟!
    سارت بنا الأرض حتى بلغنا ” مقهى ” صغيراً , يجاور الطريق الدائري , ” دكان ” صغيرة ببيت مهجور , يفترش صاحبه ” رصيف ” الشارع بطاولات و كراسي ” بلاستيكية ” .. تشرب قهوة ؟
    بخجل مصطنع , قلت : نعم لكن .. الحساب عندي , فأنا من بدأك الحديث و قطع عليك حبل أفكارك , أخذتك من طريقك …فهل أفعل بعد اذنك؟
    ردّ : ذاك حديث سابق لأوانه .. الوقت معنا و من يدري من سيدفع الحساب .!
    = وضع النادل فنجانيّ قهوة و بجوارهما كوبين من مياه فاترة , دون اكتراث : هل من شيء آخر ؟!
    ردّ الغامض بسرعة : لك الشكر ..
    قبل أن أمدُّ يدي على الفنجان , التفتُّ إليه : لم أعرفك بنفسي حتى الآن؟
    = لعلك تقصد أنك لم تعرف من أنا ؟!.. ذكاء يطل من عينيك , أستحسن طريقتك في طرح السؤال..
    وبخجل أثنيتُ بقولي: معذرة , فلم أعتد أن أسير مع غرباء في مثل هذا الوقت . الساعة تقترب من الثامنة , لعل أمي تنوح الآن , أجزم أنها ستحيل ليلتي إلى بؤس …
    = لكنك سرت معي بإرادتك .! مشيت طريقاً بوعي , سعيت خلف وعياً ترجوه ..
    قلت : حديثك جميل , مفرداتك اللغوية تأسرني , كيف بلغت تلك الحافة من اجادة اللغة و تطويعها؟!
    ثم.. لم أعرف حتى الآن من أنت ؟!
    تجاهل سؤالي و بأدب : دعك من الأسماء و المسمّيات , فاسمك ليس بالضرورة عنواناً لك , لا يدلُّ عليك , مجرد ” أسماء حركية ” , نلجأ إليها كي لا نتوه في هذا العالم , لكن اللغة مفردات قد تصل إليها , ربما بعد سنوات , و ربما لا … ثم قطع جملته , بسؤال مغاير للموضوع: من يسير بأول الطريق لا ينبغي أن يتعجّل , فلمَ العجلة ؟
    تكدّرت من عبارته, سيئ أن يراك البعض دونه قامة و قيمة , بحنق : ما تبعتك إلاّ لعبارة تناهت لسمعي دون قصد . لعلها مسّت شيئاً بداخلي .. المبدأ!! هل الخير أن يحيا المرء على مبدأ يسير عليه طوال حياته؟ ثم إن فعل ألا يكون حينها سائراً على مبادئ صاغها غيره ؟ و إن لم أفعل كيف أكوّن مبدأً من تلقاء نفسي؟
    فهل أنا مخطئ أـم مصيب ؟ ثم ..أن يكون المرء على مبدأ خير من أن يسير يتخبط في الظلمات , أجزم أن أحدهم قال ذلك أو سمعته من بعض الثقات .. أصح ذلك ؟ ألا يتعارض مع قولك ؟
    قال : لذلك سألتك فهمت ؟ يبدو أن المسافة بين ما سمعته و بين ما أقصد بعيدة , على العموم , الأمر يستغلق على العقل الناضج أحياناً , فدعني أشرح لك الموضوع بتيسير بسيط , ربما نلتقي فيما بعد لاستفاضة يطلبها الحديث : عندما ترى نفسك على خير , تدافع عن وجهة نظرك بكل ما أوتيت من قوة ,
    أنظر إلى مرآة نفسك حتما ستجدها بمرتبة أعلى من باقي الناس , وضعت نفسك حيث الباقيين تحت الأقدام , فهل أسفت يوما على حشرة دهستها بأقدامك؟
    قلت بتأثير من سحر كلامه : لا .. لم أفعل من قبل , لا أهتم ..
    أفقت و ريح تضرب جنبات المكان , برودة مستحبة , ظلام يتهادى برفق ليشمل الكون من حولي , أحب هذا الجو كثيراً , أستعجب كيف يتهيّب الآخرون الليل .! لم أجد الرجل , فهل كان موجوداً فعلا؟
    أكان حقيقة ما عايشته منذ لحظات أم خيال صنعه عقلي ؟
    كنت أقف وحيداً يفصلني عن البيت بضعة ميادين , عشرات من الحواري و الأزقة , عقاب شديد ينتظرني من تأخير وقعت فيه … ” هزّني حديث الغامض من الأعماق ” ربما لم يلتصق بعقلي أي مما تعلّمته بالمدارس , حتى أن أبي كان يشنّف أذني بعبارته الساخرة كل حين : عقلك كآنية مصنوعة من ” التيفال ” لا يلتصق بها الكلام” لكن كلام ذلك الشبح , يطن في أذني , لا يبارح تفكيري .. أكانت مصادفة مقابلتي له ؟ أم تدبير أن أقع بطريقه فينحرف طريقي بعيداً عن مساره الأصلي .؟!!
    تلك واقعة لا زلت أتذكّرها , أبيت و أصحو عليها , حُلم يراودني آملاً أن ألقاه ثانية ,

التعليقات مغلقة.